الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
فصل
في الكلام على ما اعتمد عليه في عدد
العاقدين للإمامة
قال صاحب الكتاب: " إنما قلنا: إنه لا بد من العقد حيث ثبت بما قدمناه أنه لا يصير إماما بأن يصلح للإمامة فقط، فلا بد من أمر زائد، وقد ثبت عند كل من يقول بالاختيار أنه إذا حصل العقد من واحد برضا أربعة صار إماما، واختلفوا فيما عدا ذلك، فلا بد فيما يصير به إماما من دليل فما قارنه الإجماع يجب أن يحكم به " (1) ثم عارض نفسه بالزيدية وأجاب عن الاعتراض بأنهم قائلون بالنص على بعض الوجوه، وأنه إنما اعتبر إجماع من يقول باختيار.
ثم قال: " فإن قيل: أليس في الناس من يقول: لا يصير إماما إلا برضا الكافة من البلد (2) الذي يظهر به، وهذه طريقة العامة قيل له ليس ذلك بمذهب يتحصل فيذكر ويطعن به فيما قدمناه من الإجماع، لأنهم ربما اعتبروا العامة وإن خالفت الخاصة في ذلك وربما قالوا بإمامة الفاسق المهتوك إذا غلب (3) وأحد ما يدل على ذلك ما ثبت من إجماع الصحابة في بيعة أبي بكر لأنه بايعه الواحد برضا أربعة على ما تقدم ذكره.. " (4)
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 259.
(2) غ " في البلد ".
(3) غ " المفضول للغلبة لا للرضا ".
(4) المغني 20 ق 1 / 260.
|
يقال له: قد ادعيت الإجماع في موضع لا إجماع فيه، والخلاف فيه ظاهر لأن كثيرا ممن يقول بالاختيار يذهب إلى أن الإمامة لا تنعقد إلا برضا جميع الأمة وتسليمها، ولا يعتبرون في هذا عددا مخصوصا، والذاهب إلى ما ذكرناه من أهل الاختيار أكثر عددا ممن يذهب فيه إلى العدد الذي اعتبره صاحب الكتاب وليس توهينه لهذه المقالة وتضعيفه لأهلها بحجة في مثل هذا الموضع، لأنه ادعى الإجماع، وإذا ثبت خلافه بطلت دعواه سواء كان الخلاف من ضعيف أو قوي عامي أو خاصي.
فأما قوله: (إنهم ربما اعتبروا إجماع العامة وإن خالفت الخاصة فيه) فليس هذا قول من يعتبر إجماع جميع الأمة لأنهم ربما اعتبروا إجماع الأمة
____________
(1) التبخيت تفعيل من البخت، وهو الجد أي الحظ.
(2) غ " المعاذير ".
(3) غ " من مقارنة ذلك أنه يمنع ".
(4) المغني 20 ق 1 / 260.
|
فأما ما اعتمده من إجماع الصحابة على بيعة أبي بكر وصحتها، وإنها إنما انعقدت في الأصل بالعدد المخصوص الذي اعتبره، قلنا في ذلك كلام من وجوه.
أولها، إنا لا نسلم هذا الإجماع لأنه ما كان قط ولا وقع.
وثانيها، أن نسلمه ثم نبين أن لقائل أن يقول: إن إمامته إنما صحت بالاجماع عليها، لا بعقد النفر الذين ذكرهم.
وثالثها، أن نتجاوز عن كل ذلك ونقول لم إذا انعقدت إمامته بخمسة لم يجز النقصان من هذا العدد، ونحن نتكلم على جميع ذلك.
أما الوجه الأول فالأولى أن نؤخر الكلام فيه إلى الفصل الذي نعترض به كلامه في إمامة أبي بكر لأنه اختص بهذا الخلاف من حيث كان هذا الفصل كالفرع على صحة الاختيار وثبوته، والخلاف فيه جار بين من يوافق على أصل الاختيار.
فأما الفصل الثاني فالكلام فيه واضح لأن أبا بكر لما صفق على يده بالبيعة من سبق إلى بيعته لم يبرح من مجلسه ذلك عند من يقول بصحة إمامته، وثبوت اختياره حتى بايعه جميع أهل المدينة فمنهم من حضر السقيفة وصفق على يده بالبيعة وهم جمهور الأنصار والمهاجرين، ومنهم من تأخر لعذر فلم يبايع بيده ورضي البيعة بقلبه، وسلمها وأذعن بها كأمير المؤمنين عليه السلام عندهم، ومن تأخر من بني هاشم معه اشتغالا
|
وقوله: (إنهم أجمعوا على أنه صار إماما من أول ما عقد له) وبالسبب المتقدم لا ينافي ما ذكرناه لأن رضا الكافة وبيعة الجميع كان تاليا صفقة من سبق إلى مبايعته ولم يكن بينهما زمان، والحال التي جرى فيها الخوض إلا بالاجماع عليه عندهم، ولم تنفصل حال الإجماع من الكافة عن حال مبايعة الأربعة بزمان يصح أن يكون معتبرا كما لم تنفصل بيعة عمر ثم عن رضا الأربعة وتسليمهم بزمان يجوز أن يكون معتبرا وإدخالهم في جملة العدد الذي به انعقدت الإمامة أسيد بن خضير طريف لأن جميع من روى خبر السقيفة، لم يرو أن أسيد بن حضير سبق إلى بيعة أبي بكر قبل جماعة الأوس وإنما بايع في جملتهم لما بايعوا بعد أن قال بعضهم لبعض والله لأن وليها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم بذلك الفضيلة عليكم، على ما شرحناه في الخبر الذي اقتصصنا فيه قصة السقيفة على رواية الطبري، فإن كان العقد لم يكمل إلا بأسيد بن حضير فهو لم يبايع إلا مع بني عمه وقومه، فيجب أن تكون بيعة جميعهم معتبرة ولا يقتصر على أربعة، ومن تأمل خبر السقيفة، وما روي من كيفية وقوع البيعة علم أن من اعتبر في صحة إمامة أبي بكر أربعة مخصوصة متحكم مقترح لما لا يشهد به في شئ من الروايات.
ويقال له: في الفصل الثالث: إذا سلم لك أن إمامته انعقدت ببيعة واحد، ورضى أربعة من أين لك أن هذا هو العدد الذي لا نقصان فيه؟ وأكثر ما يقتضيه ما اعتبرته أن يكون الإجماع كاشفا عن أحد أمرين إما أن يكون هذا هو العدد المراعى في عقد الإمامة، أو أن يكون العدد
|
ثم قال صاحب الكتاب: (ويدل على ذلك ما يثبت من صنيع (1) عمر عند وفاته لأنه جعله شورى بين ستة وتقدم إليهم بأن يجتمعوا على واحد منهم فصار ذلك موافقا لما قدمنا " (2).
ثم قال: (فإن قيل: أليس قد روي عن عمر أنه قال إن بايع ثلاثة وخالف اثنان فاقتلوا الاثنين؟ قيل له: إن شيخنا أبا علي (3) قال إن هذا الخبر من أخبار الآحاد ولا شئ يقتضي صحته فلا يجوز (4) أن يطعن به في الإجماع الظاهر الذي قدمناه، قال: ولو صح لقلنا: إن الإمام يصير إماما ببيعة ثلاثة لكن ذلك (5) لما لم يصح لم يجب أن يقال به وذكر - يعني أبا علي - إن الخبر يمكن أن يحمل على أنه أراد أن امتنع اثنان بعد الرضا
____________
(1) غ " ثبت من صنع ".
(2) المغني 20 ق 1 / 261.
(3) غ " قد قال شيخنا أبو علي ".
(4) غ " فلا ينبغي ".
(5) غ " لكنه لما ".
|
يقال له: من أعجب الأمور أنك صرت إلى ما هو دليل عليك في فساد ما اعتبرته في العدد المخصوص الذي راعيته في عقد الإمامة فجعلته دليلا لك، ومن دلك بأن تخرج من قصة الشورى كفافا لا لك ولا عليك، لأن عمر لما نص على أهل الشورى لم يجعل العقد ثابتا برضا خمسة لواحد حتى قال: إن خالف واحد الخمسة فاقتلوا الواحد وإن خالف اثنان الأربعة اتفقوا على أحد فاقتلوا الاثنين، فجعل العقد ماضيا بأقل من ستة وهذا بخلاف ما اعتبرتموه، وادعيتم أن أمر السقيفة جرى عليه.
وليس قول أبي علي أن الخبر من أخبار الآحاد بشئ لأن كل من روى الشورى وأن القوم كانوا ستة روى التفصيل الذي ذكرناه (2) فكيف صار الخبر من جهة الآحاد فيما ذكرناه ولم يصر من جهة الآحاد في أنهم كانوا ستة والطريق واحد؟ وقد روى الطبري في تاريخه أن عمر قال:
لأبي طلحة الأنصاري لما يأس من نفسه يا أبا طلحة إن الله طال ما أعز الاسلام بكم فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال للمقداد بن الأسود إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم، وقال لصهيب:
صل بالناس ثلاثة أيام وادخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة - إن قدم - وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر، وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا منهم وأبى واحد فاشدخ (3)
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 262.
(2) انظر شرح نهج البلاغة 1 / 190 فما بعدها و ج 9 / 49.
(3) الشدخ: كسر الشئ الأجوف. يقال: شدخ رأسه فانشدخ.
|
فأما تأويل أبي على الأمر بالقتل على أن المراد به بعد الرضى والدخول في البيعة فمن التأويل البعيد، لأن لفظ الخبر لا يقتضي ذلك، وفحوى كلام الرجل لا يحتمله، وكيف يحمل على ذلك، ومعلوم أن من خالف بعد الرضا والدخول في البيعة على جهة شق العصا أو طلب الفتنة يستحق المحاربة والقتل على أي عدد كان فأي معنى لذكر اثنين في مقابلة أربعة وثلاثة في مقابلة ثلاثة، وليس هذا من التأويل الذي يحمل عليه تدين ولا إنصاف.
ثم عارض صاحب الكتاب نفسه (2) بعقد أبي بكر لعمر وأنه واحد عقد لواحد من غير اعتبار رضا خمسة وأجاب عن ذلك بأن رضا خمسة معتبر إذا لم يحصل من الإمام المتقدم عهد، ثم استدل على أن بعهد الإمام ثبت الإمامة للثاني بفعل أبي بكر ونصه على عمر وذكر أنه لم يثبت أنه فعل ذلك برضا المسلمين، بل قد صح أنه قد كان فيهم من أنكر ذلك على ما روي عن طلحة أنه قال: وليت علينا فظا غليظا فجعل القاطع لقوله وليت أموركم خيركم في نفسي (3) فأضاف توليته إلى نفسه، فيجب أن يكون
____________
(1) هذا مثل (فقد صغت قلوبكما).
(2) المغني 20 ق 1 / 262.
(3) انظر تاريخ الطبري 3 / 429 حوادث سنة 13.
|
ثم قال: (ولهذه الطريقة أصل في السمعيات (1) وذلك لأنه جعل من له الحق في حال الوفاة أولى بالتصرف وإن لم يتم إلا بعد الممات كما نقوله في الوصايا فلما كان للإمام هذا التصرف لم يمتنع أن يجعل له ذلك لكنه لما كان لا يصح إثبات إمامين صار عهده (2) مستقرا بعد وفاته كما أن الوصية إنما تستقر بعد الموت، فلولا أن الأمر كما قلناه لوجب إذا أوصى الناس بذلك ثم مات أن لا يكون إماما إلا باستئناف العقد لأن رضاهم والإمام الأول في غير معتل به (3) من حيث لم يصر إماما به بأنه لو صار إماما به لكان في ذلك إثبات إمامين فلولا أن لعهده تأثيرا لكان اقتران الرضا به لا يوجب أن يصير إماما بعده لعده،...) (4).
يقال له: هذه الدعوى التي عولت عليها في أن عقد الإمام يغني عن الرضا ويثبت به الإمامة ليس بمقنع لأن لمن خالفك في ذلك من أبي علي وغيره ممن حكيت عنه فيما تقدم أن الإمام لا يصير إماما بعقد الأول حتى يقترن إليه رضا جماعة أقلهم خمسة أن يقول لم زعمت أن بيعة عمر إنما ثبتت بمجرد نص أبي بكر عليه وإلا كان ثبوتها
____________
(1) غ " الشبهات " وما في المتن هو الصحيح على الظاهر.
(2) غ " صار عنده ".
(3) غ " فغير معتل له ".
(4) المغني 20 ق 1 / 263.
|
فأما تعلقه بإضافة ولايته إلى نفسه فليس بشئ لأن الإضافة تصح من حيث كان هو المبتدئ بها والمنبه عليها، وإن كان إمضاؤها يقف على رضا الغير، وهذا كما يقال إن عمر عقد الإمامة لأبي بكر من حيث سبق إلى بيعته، وإن كان العقد لم يصح إلا بعد رضا غيره، وليس يجب أن تستأنف له بيعة بعد موت أبي بكر إن كان النص بنفسه لم يكن كافيا على ما ظن لأنه إذا أشار إليه في حياته ورضي القوم بذلك من حاله فهو عقد
____________
(1) خالد بن سعيد بن العاص صحابي من السابقين الأولين هجره أبوه وإخوته لما علموا بإسلامه فلازم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم هاجر إلى الحبشة وتولى هناك تزويج حبيبة بنت أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان هو وأخواه أبان وعمرو ابنا سعيد بن العاص ممن انحازوا إلى علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وامتنعوا من البيعة في أول الأمر.
|
فأما قوله: " كان يجب أن يكون ما تقدم من نصه وجوده كعدمه " فلا يجب إذا اقترن به الرضا والتسليم ولو لم يقارنه الرضا لكان وجوده كعدمه.
فأما قوله: (" إن لذلك أصلا في السمعيات " وذكره الوصايا في هذا الباب فغير صحيح لأن كثيرا من الحقوق يثبت التصرف فيها حال الحياة ولا يثبت بعد الوفاة كالحقوق في الفروج، وما جرى مجراها وإنما تكون العبرة التي ذكرها صحيحة في الأموال وما جرى مجراها، وليس التصرف في الإمامة من باب التصرف في الأموال، وقد بينا أنهم إذا رضوا بعهده وعقد الإمامة بعده، لم يجز مع ذلك استئناف العقد بعد وفاته وأن العهد بمجرده لا تأثير له، لولا الرضا والتسليم فلا معنى لتكراره لذلك، ثم ذكر كلاما في هذا المعنى لا طائل في تتبعه وخرج منه إلى كلام في الاختيار نحن نسبق فيه ونذكر ما عندنا فيه عند كلامنا على فساد الاختيار بإذن الله ومشيئته.
|
فصل
في اعتراض كلامه في إمامة أبي بكر
اعتمد صاحب الكتاب في هذا الباب على طريقتين، زعم أن الأولى منهما تدل على إمامة أبي بكر على سبيل الجملة، والثانية تدل على صحة الاختيار في الجملة، وعلى إمامة أبي بكر على سبيل التفصيل، وعول في الأولى على ما تقدم من كلامه في النص والرد على القائلين به، وأشار إلى حمل ما تقدم من كلامه في ذلك، ثم تكلم على من ذهب في الإمامة إلى أنها تثبت بالخروج بالسيف من الزيدية بكلام لا طائل في ذكره وتتبعه، لأنه واقع موقعه ثم شرع في الكلام على الطريقة الثانية، فقال: " إن الإجماع قد صح على الرضا بإمامة أبي بكر وكشف لنا الإجماع من أن البيعة وقعت صحيحة، لأنهم حين أجمعوا على ذلك لم يتجدد ما يوجب كونه إماما ولا تعلق إجماعهم بإمامته في وقت دون وقت ولذلك أجروا كل أيامه (1) وأحكامه مجرى واحدا فصار من هذا الوجه الإجماع كاشفا عن صحة إمامته من أول الأمر لا أن به صحت إمامته وإذا ثبت (2) ذلك فيجب أن يجعل الوجه الذي انعقدت به إمامته أصلا في تثبيت الإمامة على ما قدمنا القول فيه " (3).
____________
(1) غ " كل أيامه مجرى واحدا ".
(2) غ " وإذا صح ذلك ".
(3) المغني 20 ق 1 / 262.
|
____________
(1) غ " من خالفنا في هذا الباب ويطعن ".
(2) غ " اشتهر الأمر ".
(3) أمثال سعد بن عبادة، ومن انضم إلى أمير المؤمنين كسلمان والمقداد وأبو ذر وعمار والزبير وغيرهم.
|
قال: " وقد قال شيخنا أبو علي ما يدل على أن خلاف سعد بن عبادة لا يؤثر لأنه إنما خالف على سبيل طلب الإمامة لنفسه، وقد صح إنه كان مبطلا في ذلك حيث استمر على المخالفة، وإنما كان استمر على هذه الطريقة فيجب أن لا يعد خلاف في أمر قد علم أنه فيه على باطل، ولأنه لا يمكن أن يقال: إن خروج سعد مما عليه الأمة يؤثر في الإجماع
____________
(1) التكملة من " المغني ".
(2) في المغني " سويع " وقال المحشي: " لعلها شيوخ " وأي معنى للتعليل.
(3) غ " وعلى الوجوه كلها ".
|
قال: " وقد بينا في كتاب " الإجماع " من هذا الكتاب (2) أن المذهب إذا لم يكن من باب الاجتهاد، وقد كان الحق في واحد منهم، فما تذهب إليه الجماعة هو الحق دون ما يتفرد به الواحد والاثنان، لأن ذلك يصح أن يكون سبيلا للمؤمنين، وما صح ذلك فيه فهو سبيل الحق دون ما عداه، وإنما يعد قول (3) الواحد خلافا فيما طريقه الاجتهاد، وهذا يبطل التعلق بخلاف سعد وحده، على أنه لا خلاف يمكن أن يذكر بعد بيعة أبي بكر إلا أنه الإمام أو أمير المؤمنين، وسعد خارج عن هذين القولين، فجيب أن يكون قوله مطرحا لأنه امتنع من مبايعة غير أبي بكر على حد امتناعه عن مبايعة أبي بكر، وهذا إن صح أنه بقي على الخلاف، لأنه لا يمتنع أن لا يبايع وهو راض لأنه لا معتبر بالبيعة ولا بالحضور لأنه قد يجوز أن يكون نافرا عن الحضور لما جرى من صده عما كاد يثبت له من الإمارة (4) وإن صح وتيقن خلافه، فالأمر على ما قدمناه من أنه إما أن لا يعتد بخلافه أو يعول على صحة الإجماع بعد موته،... " (5).
يقال له: أما الطريقة الأولى فإنك عولت فيها على ما تقدم من كلامك الذي ظننت أنك أفسدت به مذهبنا في النص فلم تحل في ذلك إلا
____________
(1) وهو محصور يومئذ في قولين النص أو الاختيار.
(2) أي من " المغني " وهو في الجزء السابع عشر منه.
(3) غ " كون ".
(4) غ " عما كان له من الإمارة ".
(5) المغني 20 ق 1 / 282.
|
فأما الطريقة الثانية فهي أخص بهذا الموضع ولنا في الكلام عليها وجهان:
أحدهما، أن تبين أن ترك المنازعة والامساك عن النكير اللذين توصلت بهما إلى الرضا والإجماع لم يكونا في وقت من الأوقات.
والوجه الثاني أن نسلم إن الخلاف في إمامته بعد ظهوره انقطع غير أنه لم ينقطع على وجه يوجب الرضا وأن السخط ممن كان مظهر للنكير ثم كف عنه بأن في المستقبل وإن كف عن النكير لمعاذير نذكرها.
فأما الكلام في الوجه الأول فبين لأن الخلاف ظهر في أول الأمر ظهورا لا يمكن دفعه من أمير المؤمنين عليه السلام والعباس رضي الله عنه وجماعة بني هاشم ثم من الزبير حتى روي أنه خرج شاهرا سيفه واستلب من يده فضرب به الصفا (1) ثم من سلمان وخالد بن سعيد بن العاص وأبي سفيان فكل هؤلاء قد ظهر من خلافهم وكلامهم ما شهرته تغني عن ذكره وخلاف سعد وولده وأهله أيضا معروف وكل هذا كان ظاهرا في
____________
(1) انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 6 ص 11.
|
فإن قال: أما الخلاف في الابتداء فقد عرفته، وأقررت به، وما تدعونه من استمراره باطل لأنه غير منقول ولا معروف، فعلى من يدعي استمرار الخلاف أن يبين ذلك، فأنى أنكره.
قيل له: لا معتبر بإنكارك ما تذكره في هذا الباب لأنك بين أمرين إما أن تكون منكرا لكونه مرويا في الجملة وتدعي أن أحدا لم يرو استمرار الخلاف على وجه من الوجوه، أو تعترف بأن قوما رووه غير ثقات عندك، وأنه لم يظهر ظهور الخلاف الأول، ولم ينقله كل من نقل ذلك، فإن أردت ما ذكرناه ثانيا فقد سبقناك إلى الاعتراف به، لأنا لم ندع في الاستمرار ما حصل في الابتداء من الظهور، ولا ندفع أنك لا توثق أيضا كل من روى ذلك إلا أن أقل ما في هذا الباب أن يمنعك هذا من القطع على أن النكير زال وارتفع، والرضا حصل وثبت، وإن أردت ما ذكرناه أولا فهو يجري مجرى دفع المشاهدة لأن وجود هذا في الرواية أظهر من أن يدفع، ولم يزل أمير المؤمنين عليه السلام متظلما متألما منذ قبض الرسول صلى الله عليه وآله إلى أن توفاه الله إلى جنته، ولم يزل أهله وشيعته يتظلمون من دفعه عن حقه، وكان ذلك منه عليه السلام ومنهم يخفى ويظهر ويترتب في الخفاء والظهور ترتب الأوقات في شدتها وسهولتها، فكان عليه السلام يظهر من كلامه في هذا الباب في أيام أبي بكر ما لم يكن ظاهرا في أيام عمر، ثم قوي كلامه عليه السلام وصرح بكثير مما في نفسه في أيام عثمان، ثم ازداد قوة في أيام تسليم الأمر إليه، ومن عني بقراءة الآثار علم أن الأمر جرى على ما ذكرناه.
|
وروى إبراهيم قال أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني وعباد بن يعقوب الأسدي قالا حدثنا عمر بن ثابت عن سلمة بن كهيل عن المسبب بن نجبة قال بينما علي عليه السلام يخطب وأعرابي يقول: وا مظلمتاه فقال عليه السلام (ادن) فدنا فقال: (لقد ظلمت عدد المدر والوبر) وفي حديث قال جاء أعرابي يتخطى فنادى يا أمير المؤمنين مظلوم، فقال علي عليه السلام: (ويحك وأنا مظلوم ظلمت عدد المدد والوبر).
وروى أبو نعيم الفضل بن دكين عن عمر بن أبي مسلم قال كنا
____________
(1) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي الكوفي الرقي من علماء القرن الثالث، المتوفى بأصبهان سنة 283 المعروف بابن هلال الثقفي صاحب كتاب الغارات المشهور، له ما يقرب من خمسين كتابا في التفسير وأسباب النزول، والفقه والأحكام، والدلائل والفضائل، والسير والأخبار، والمظنون أن ما نقله المرتضى هنا من كتاب " المعرفة " وهو من أهم كتب إبراهيم، وقد وصفه السيد ابن طاووس بأنه أربعة أجزاء، ونقل عنه في كتاب " اليقين " ص 38 ثلاثة عشر حديثا في تسمية علي عليه السلام أمير المؤمنين في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه هو الذي سماه بذلك، كما أشار إليه في كتاب " كشف المحجة لثمرة المهجة " ص 48 وأوصى ولده محمدا بالوقوف عليه، وانظر سفينة البحار ج 2 مادة " ظلم " فإنه أشار إلى كلام علي عليه السلام في هذا المورد.