الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

กก

قيل لهم: فعمر بن الخطاب كيف يقدر على ضرب ملك الموت وإن قالوا: لا نصدق ذلك فقد جوزوا رد هذه الروايات وصح أنه لا يجوز التعويل على هذا الجنس وإنما يتعلق بذلك من غرضه الالحاد كالوراق وابن الراوندي [ فلا يتألون مهما يوردون ليقع التنفير به ] لأن غرضهم القدح في الاسلام).

وحكي عن أبي علي أنه قال: (لم صار غضبها لو ثبت كأنه كأنه غضب رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث قال: " فمن أغضبها فقد أغضبني " أولى من أن يقال: من أغضب أبا بكر وعمر فقد نافق وفارق الدين لأنه روي عنه عليه السلام أنه قال: " حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق " ومن يورد مثل هذه فقصده الطعن في الاسلام وأن يوهم الناس أن أصحاب النبي نافقوا مع مشاهدة الأعلام ليضعفوا دلالة العلم في النفوس...) (1).

قال: (فأما ما ذكروه من حديث عمر في باب الاحراق (2)، فلو صح لم يكن طعنا على عمر لأن له أن يهدد من امتنع عن المبايعة إرادة للخلاف على المسلمين لكنه (1) غير ثابت لأن أمير المؤمنين قد بايع، وكذلك الزبير والمقداد والجماعة، وقد بينا القول في ذلك فيما تقدم وأن التمسك بما تواتر به الخبر من بيعتهم أولى من هذه الروايات الشاذة) (3).

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 335 و 336.

(2) في المغني " لكن ذلك غير ثابت " وحديث التهديد بالاحراق رواه جماعة منهم ابن عبد ربه في العقد الفريد 4 / 259، الإمامة والسياسة 1 / 18.

(3) المغني 20 ق 1 / 337.


الصفحة 113
ثم كرر حاكيا عن أبي علي أن أمير المؤمنين عليه السلام إنما تأخر عن البيعة من أجل استبدادهم بالرأي عليه، وأنهم لم يشاوروه وأنه بعد ذلك بايع ورضي، وإن كان في مدة تأخره عن البيعة مسلما راضيا (1).

يقال له: أما قولك (2): (إنا لا نصدق ذلك، ولا نجوزه) فإنك لم تسند إنكارك إلى حجة أو شبهة فنتكلم عليها، والدفع لما يروى بغير حجة لا يلتفت إليه.

فأما ما ادعيت من أن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة عليها السلام وكبر أربعا وأن كثيرا من الفقهاء يستدلون به في التكبير على الميت فهو شئ ما سمع إلا منك وإن كنت تلقيته عن غيرك فممن يجري مجراك في العصبية، وإلا فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك. ولم يختلف أهل النقل في أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي صلى على فاطمة عليها السلام، إلا رواية شاذة نادرة وردت بأن العباس رضي الله عنه صلى عليها.

وروى الواقدي بإسناده عن عكرمة (3) قال: سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ قال: دفناها بليل بعد هدأة قال: قلت: فمن صلى عليها؟

قال علي عليه السلام.

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 337.

(2) في نقل ابن أبي الحديد: (أما قوله: الخ) وجميع الضمائر فيه وفيما بعده للغائب.

(3) عكرمة مولى ابن عباس أبو عبد الله أصله من البربر من المغرب، كان لحصين بن الحر العنبري فوهبه لابن عباس حين ولى البصرة واجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن، كان يرى رأي الخوارج، وكان كثير التطواف والجولان في البلاد واختلف في سنة وفاته ما بين 104 - 115.


الصفحة 114
* وروى الطبري عن الحرث بن أبي أسامة عن المدائني عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة عليها السلام عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت إليه، وقالت سترتموني ستركم الله، قال أبو جعفر محمد بن جرير: والثابت في ذلك أنها زينب لا فاطمة عليها السلام دفنت ليلا ولم يحضرها إلا العباس وعلي عليه السلام والمقداد * والزبير (1).

وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري قال حدثني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليه وعليها عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستة أشهر (2) فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلا وصلى عليها علي بن أبي طالب، وذكر في كتابه هذا أن أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام دفنوها ليلا وغيبوا قبرها.

وروى سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد أن فاطمة عليها السلام دفنت ليلا، وروى عبد الله بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد العطار عن معمر عن الزهري مثل ذلك.

وقال البلاذري في تاريخه: أن فاطمة عليها السلام لم تر مبتسمة بعد وفاة رسول الله ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها، والأمر في هذا واضح، وأظهر من أن نطنب في الاستشهاد عليه، ونذكر الروايات فيه.

فأما قوله: (ولا يصح أنها دفنت ليلا، وإن صح فقد دفن فلان وفلان ليلا) فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة كالشمس الطالعة وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات. ولم يجعل دفنها بمجرده هو الحجة فيقال: فقد

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من الطبري.

(2) نقله الطبري 3 / 240 حوادث سنة 11.


الصفحة 115
دفن فلان وفلان ليلا، بل مع الاحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان، وصرحت بذلك وعهدت فيه عهدا، بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلما طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلمها أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك وألح عليها فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام أليس قد صنعت ما أردت؟ قال نعم قالت:

فهل أنت صانع ما آمرك قال: نعم قالت: فإني أنشدك الله أن لا يصليا على جنازتي ولا يقوما على قبري.

وروي أنه عليه السلام عمى على قبرها (1) ورش أربعين قبرا في البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه، وإنما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما الصلاة عليها فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه لم يكن فيه حجة.

فأما حكايته عن أبي علي إنكاره ما روي من ضربها وادعاؤه أن جعفر بن محمد عليه السلام كان يتولاهما وكان أبوه وجده كذلك، فأول ما فيه أن إنكار أبي علي لما وردت به الرواية من غير حجة لا يعتد به، وكيف لا ينكر أبو علي هذه الرواية وعنده أن القوم لم يجلسوا من الإمامة إلا مجلسهم، ولا تناولوا إلا بعض حقهم وأنهم كانوا على كثب (2) عظيم

____________

(1) ش " عفى قبرها ".

(2) الكثب - بالتحريك -: القرب.


الصفحة 116
من التوفيق والتأييد، والتحري للدين ولو أخرج من قلبه هذه الاعتقادات المبتدأة لعرف أمثال هذه الرواية، أو الشك على أقل أحواله في صحتها وفسادها، وقد كنا نظن أن مخالفينا في الإمامة يقنعون فيما يدعونه على أبي عبد الله جعفر بن محمد وأبيه وجده عليهم السلام بأن لا يقولوا في القوم السوء ويكفوا عن الملامة فيهم، وإضافة المعايب إليهم، ففي هذا لو سلم لهم مقنع وبلاغ، وما كنا نظن أنهم يحملون أنفسهم على مثل ما ادعاه أبو علي، ومذاهب الناس إنما تؤخذ من خواصهم وأوليائهم، ومن ليس بمتهم عليهم، ولا يتلقى من أعدائهم والمنحرفين عنهم، وقد علمنا وعلم كل أحد أن المختصين بهؤلاء السادة قد رووا عنهم ضد ما ادعاه أبو علي، وإضافة إلى شعبة بن الحجاج (1) وفلان وفلان، وقولهم فيهما: هم أنهما أول من ظلمنا حقنا، وحمل الناس على رقابنا، وقولهم: إنهما أصفيا بإنائنا واضطجعا بسبيلنا وجلسا مجلسا نحن أحق به منهما، مشهور معروف إلى غير ذلك من فنون التظلم، وضروب الشكاية فيما لو أوردناه واستقصيناه لاحتاج إلى مثل حجم كتابنا، ومن أراد أن يعتبر ما روي عن أهل البيت في هذا المعنى فلينظر في كتاب المعرفة لأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفي فإنه قد ذكر عن رجل رجل من أهل البيت عليهم السلام بالأسانيد البينة ما لا زيادة عليه.

وبعد، فأي حجة في رواية شعبة وأمثاله ما حكاه وهو مما يجوز أن يخرج مخرج التقية التي قدمنا جوازها على سادتنا عليهم السلام فكيف

____________

(1) شعبة بن الحجاج " أبو بسطام " " مولى الأشاقر " واسطي الأصل.

بصري الدار سمع قتادة ويونس بن عبيد وعبد الملك بن عمير وغيرهم وروى عنه أيوب السختياني والأعمش وغيرهم قدم بغداد فوهب له المهدي ثلاثين ألف درهم وأقطعه ألف جريب بالبصرة انظر ترجمته في تاريخ بغداد 9 / 255 وابن خلكان 2 / 469 وغيرهما.


الصفحة 117
يعارض ذلك أخبارنا التي لا يجوز أن تصدر إلا عن الاعتقادات الصحيحة والمذاهب التي يدان الله تعالى بها (1) فأما قوله: (إن هذه الرواية كروايتهم أن علي بن أبي طالب عليه السلام هو إسرافيل وأن الحسن هو الميكائل إلى آخر كلامه) فمما كنا نظن أن مثل صاحب الكتاب يتنزه عن ذكره، والتشاغل بالاحتجاج به لأنا لا نعرف عاقلا يحتج عليه وله، ولا يذهب إلى ما حكاه، ومن ينتسب إلى التشيع رجلان مقتصد وغال فالمقتصد معلوم نزاهته عن مثل هذا القول، والغالي لم يرض إلا بالإلهية والربوبية، ومن قصر منهم ذهب إلى النبوة، فهذه الحكاية خارجة عن مذهب المقتصد، والغالي قد كان يجب لما أودعها كتابه محتجا بها أن يذكر قائلها، والذاهب إليها بعينها، والراوي لها باسمه، والكتاب الذي نقلها منه إن كان من كتاب.

وبعد فلو كانت هذه الحكاية صحيحة، وقد ذهب إليها ذاهب لكان من جملة مذاهب الغلاة الذين نبرأ إلى الله تعالى منهم، ولا نعدهم شيعة ولا مسلمين، فكيف تجري هذه الرواية مجرى ما حكاه عنا؟

ثم يقال له: ألست تعلم أن هذا المذهب يذهب إليه أصحاب الحلول، والعقل دال على بطلان قولهم؟ فهل العقل دال على استحالة ما روي من ضرب فاطمة عليها السلام فإن قال هما سيان، قيل له: فبين استحالة ذلك في العقل كما بينت استحالة الحلول، وقد ثبت مرادك، ومعلوم عجزك عن ذلك.

____________

(1) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة كل ما ذكر في هذا الموضع عن " الشافي " ج 16 ص 279 - 281، ولكن بتقديم وتأخير، واختلاف في بعض الألفاظ، ونقصان بعض العبارات، ولكن كل ذلك لم يختلف في المعنى عن المذكور هنا.


الصفحة 118
وإن قال: العقل لا يحيل ما رويتموه وإنما يعلم فساده من جهة أخرى.

قيل له: فلم جمعت بين الروايتين وشبهت بين الأمرين وهما مختلفان متباينان؟

وبعد، فكما غلا قوم في أمير المؤمنين عليه السلام هذا الضرب من الغلو فقد غلا آخرون فيه بالعكس من هذا الغلو فذهبوا إلى ما تقشعر من ذكره الجلود، وكذلك قد غلا قوم ممن لا يرتضي صاحب الكتاب طريقته في أبي بكر وعمر وعثمان، وأخرجهم غلوهم إلى التفضيل لهم على سائر الملائكة، ورووا روايات معروفة تجري في الشناعة مجرى ما ذكره عن أصحاب الحلول، فلو عارضه معارض فقال له: ما روايتكم في علي ما تروونه إلا كرواية من روى كيت وكيت وذكر ما ترويه الشراة، وتدين به الخوارج، وما روايتكم في أبي بكر وعمر وعثمان ما تروونه من التفضيل والتعظيم إلا كمن روى كذا وكذا، وذكر طرفا مما يروونه الغلاة ما كان يكون جوابه، وعلى أي شئ يكون معتمده؟! فإنه لا تنفصل عن ذلك إلا بمثل ما انفصلنا عنه.

فأما حكايته عن أبي علي معارضته لمن ذهب إلى أن غضب فاطمة عليها السلام كغضب رسول الله صلى الله عليه وآله بما رواه من (أن حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق) فمن بعيد المعارضة، لأنا إنما احتججنا بالخبر الذي حكيناه من حيث كان مجمعا عليه غير مطعون عليه لا محالة، ولا مختلف فيه، والخبر الذي رواه غير مجمع عليه وإنما يرويه قوم ويدفعه آخرون، ويقسمون على بطلانه، وكيف يعارض الأمران؟ وكيف يقابل المعلوم، والمجمع عليه، المتفق على تصديقه ما هو مدفوع مكذوب.

فأما قوله: (إن من يورد مثل ذلك إنما قصده تضعيف دلالة

الصفحة 119
العلم، والمعجز في النفوس، من حيث أضاف النفاق إلى من شاهدها) فتشنيع في غير موضعه، واستناد إلى ما لا يجدي نفعا، لأن نفاق من شاهد الأعلام لا يضعفها، ولا يوهن دليلها، ولا يقدح في كونها حجة، لأن الأعلام ليست ملجئة إلى العلم، ولا موجبة لحصوله على كل حال، وإنما تثمر العلم لمن أنعم النظر فيها من الوجه الذي تدل منه، فمن عدل عن ذلك لسوء اختياره لا يكون عدوله مؤثرا في دلالتها فكم قد عدل من العقلاء وذوي الأحلام الراجحة والألباب الصحيحة عن تأمل هذه الأعلام، وأصابه الحق منها، ولم يكن ذلك عندنا وعند صاحب الكتاب قادحا في دلالة الأعلام، على أن هذا القول يوجب عليه أن ينفي النفاق والشك عن كل من صحب النبي وعاصره وشاهد أعلامه كعمرو بن العاص وأبي سفيان وفلان وفلان ممن قد اشتهر نفاقهم، وظهر شكهم في الدين وارتيابهم (1) وإن كانت إضافة النفاق إلى هؤلاء لا تقدح في دلالة الأعلام فكذلك القول في غيرهم.

فأما قوله: " إن حديث الاحراق ما صح، ولو صح لم يكن طعنا لأن له أن يهدد من امتنع من المبايعة إرادة للخلاف على المسلمين " فقد بينا أن خبر الاحراق قد رواه غير الشيعة ممن لا يتهم على القوم، وأن دفع الروايات بغير حجة أكثر من نفس المذاهب المختلف فيها لا يجدي شيئا، والذي اعتذر به من حديث الاحراق إذا صح طريف، وأي عذر لمن أراد أن يحرق على أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام منزلهما؟ وهل يكون في مثل ذلك علة يصغى إليها أو تسمع وإنما يكون مخالفا على المسلمين وخارقا

____________

(1) إنما أورد هذا المثال لأن المعتزلة لا يذهبون إلى تعديل جميع الصحابة بل يذهبون إلى تفسيق بعضهم انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 9 و 3 / 315 و 20 ص 15 وغير ذلك.


الصفحة 120
لإجماعهم، إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت، وإنما يصح لهم الإجماع متى كان أمير المؤمنين عليه السلام ومن قعد عن البيعة ممن انحاز إلى بيت فاطمة عليها السلام داخلا فيه، وغير خارج عنه، وأي إجماع يصح مع خلاف أمير المؤمنين عليه السلام وحده فضلا عن أن يتابعه على ذلك غيره، وهذه زلة من صاحب الكتاب، وممن حكى احتجاجه.

وبعد، فلا فرق بين أن يهدد بالاحراق للعلة التي ذكرها وبين ضرب فاطمة عليها السلام لمثل هذه العلة، فإن إحراق المنازل أعظم من ضربه بالسوط وما يحسن الكبير ممن أراد الخلاف على المسلمين أولى بأن يحسن الصغير فلا وجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة السوط، وتكذيب ناقلها، وعنده مثل هذا الاعتذار.

فأما ادعاؤه أن أمير المؤمنين عليه السلام قد بايع بعد ذلك ورضي وكذلك الجماعة التي أظهرت الخلاف، وأن امتناعه عليه السلام من البيعة إنما كان لأجل أن القوم لم يشاوروه، فقد مضى الكلام في ذلك فيما سلف من هذا الكتاب مستوفى ولا حاجة بنا إلى إعادته.

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى، قالوا: وكيف يصلح للإمامة من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه، ومن يحذر الناس نفسه، ومن يقول: أقيلوني، بعد دخوله في الإمامة مع أنه لا يحل أن يكون الإمام يقول: أقيلوني البيعة).

ثم قال: (الجواب (1) ما ذكره شيخنا أبو علي من أن ذلك لو كان نقصا فيه لكان قوله تعالى في آدم وحواء: (فوسوس لهما الشيطان) وقوله

____________

(1) ش " أجاب قاضي القضاة فقال " والمظنون، أنه تصرف من ابن أبي أبي الحديد في كلام المرتضى ولكن لم يخرجه عن معناه.


الصفحة 121
(فأزلهما الشيطان) وقوله: (وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) يوجب النقص في الأنبياء، وإذا لم يجب ذلك فكذلك ما وصف به أبو بكر نفسه وإنما أراد أن عند الغضب يشفق من المعصية ويحذر منها، ويخشى أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه، وذلك منه على طريق الزجر لنفسه عن المعاصي [ والتفكر في أحواله ] (1) وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ترك مخاصمة الناس في حقوقه إشفاقا من المعصية وكان يولي ذلك عقيلا فلما (2) أسن عقيل كان يوليها عبد الله بن جعفر رحمهم الله أجمعين (3).

فأما ما روي من إقالة البيعة فهو خبر ضعيف وإن صح فالمراد به التنبيه على أنه لا يبالي لأمر يرجع إليه أن يقيله (4) الناس البيعة، وإنما يضرون بذلك أنفسهم، فكأنه نبه بذلك على أنه غير مكره لهم، وأنه قد خلاهم وما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه، وقد روي أن أمير المؤمنين أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله، والمراد بذلك أنه تركه وما يختاره ولم يكرهه،...) (5) يقال له: أما قولك في ذلك فباطل لأن قول أبي بكر: وليتكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني، لا أؤثر في أشعاركم ولا أبشاركم " (6) فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين

____________

(1) التكملة من " المغني ".

(2) غ " وما أيس " تحريف ظاهر.

(3) المغني 20 ق 1 / 338.

(4) غ " يستقيله ".

(5) المغني 20 ق 1 / 339.

(6) أما قوله " ولست بخيركم " فقد تقدم تخريجه وفي الصواعق المحرقة ص 30 " أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم " وأما قوله: " فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني، ألا وإن لي شيطانا يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم " فقد رواه الطبري في التاريخ 4 / 224 حوادث سنة 91 بما لا يخرج عما نقله المرتضى ولكن مصدره غير الطبري قطعا.


الصفحة 122
أحدهما أن هذه صفة من ليس بمعصوم، ولا يأمن الغلط على نفسه، ومن يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا واقع المعصية، وقد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما مسددا موفقا، والوجه الآخر أن هذه صفة من لا يملك نفسه، ولا يضبط غضبه، ومن هو في نهاية الطيش والحدة، والخرق (1) والعجلة ولا خلاف أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها، وليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه (2) من الآيات كلها، لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب، وأن عادته بذلك جارية، وليس هذا بمنزلة من يوسوس له الشيطان ولا يطيعه، ويزين له القبيح فلا يأتيه، وليس وسوسته الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب، بل هو زيادة في التكليف، ووجه يتضاعف معه الثواب، وقوله تعالى: (ألقى الشيطان في أمنيته) (3) قيل: معناه في تلاوته، وقيل في فكرته على سبيل الخاطر، وأي الأمرين كان فلا عار في ذلك على النبي ولا نقص، وإنما العار والنقص على من يطيع الشيطان، ويتبع ما يدعو إليه، وليس لأحد أن يقول: هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم لكم في قوله: (فأزلهما الشيطان) (4) لأنه قد خبر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل، وذلك أن المعنى الصحيح في هذه الآية إن آدم وحواء كانا مندوبين

____________

(1) الخرق - بالضم -: ضد الرفق، وفاعله أخرق.

(2) الضمير في تلاه للقاضي.

(3) الحج / 52.

(4) البقرة / 26.


الصفحة 123
إلى اجتناب الشجرة، وترك التناول منها، ولم يكن ذلك عليهما واجبا لازما، لأن الأنبياء لا يخلون بالواجب فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إليه وحرما بذلك أنفسهما الثواب وسما إزلالا لأنه حط لهما عن درجة الثواب وفعل الأفضل، وقوله تعالى في موضع آخر:

(وعصى آدم ربه فغوى) (1) لا ينافي هذا المعنى، لأن المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب والندب معا، وقوله: (فغوى) أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه، على أن صاحب الكتاب يقول: إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقابا ولا ذما، فعلى مذهبه أيضا تكون المفارقة بينه وبين أبي بكر ظاهرة، لأن أبا بكر خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الأشعار والأبشار، ويأتي ما يستحق به التقويم، فأين هذه من ذنب صغير لا ذم ولا عقاب عليه؟ وهو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله، وحط رتبته، وليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية والاشفاق على ما ظن، لأن مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك ألا ترى أنه قال إن لي شيطانا يعتريني، وهذا قول من قد عرف عادته، ولو كان على سبيل الاشفاق والخوف لخرج غير هذا المخرج، ولكان يقول: فإني لا آمن من كذا وكذا، وإني لمشفق منه.

فأما ترك أمير المؤمنين عليه السلام مخاصمة الناس في حقوقه، فإنما كان تنزها وتكرما، وأي نسبة بين ذلك وبين من صرح وشهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة.

وأما خبر استقالة البيعة وتضعيف صاحب الكتاب له فهو أبدا

____________

(1) طه / 121.


الصفحة 124
يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه، وقوله: (إنه ما استقال على التحقيق وإنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الأمر عنه وأنه غير مكره لهم عليه) فبعيد من الصواب لأن ظاهر قوله: " أقيلوني " أمر بالإقالة، وأقل أحواله أن يكون عرضا لها وبذلا وكلا الأمرين قبيح، ولو أراد ما ظنه لكان له في غير هذا القول مندوحة (1) ولكان يقول: إني ما أكرهتكم ولا حملتكم على مبايعتي، وما كنت أبالي ألا يكون هذا الأمر في ولا إلي وإن مفارقته تسرني لولا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به، ومتى عدلنا عن ظواهر الكلام بلا دليل جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به.

فأما أمير المؤمنين عليه السلام فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخوله فيها، وإنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء فأعفاه قلة فكر فيه، وعلما بأن إمامته عليه السلام لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها، فأين هذا من استقالة بيعة قد تقدمت واستقرت؟

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى وطعنوا في إمامته بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. فبين أنها خطأ وأنها شر، وبين أن مثلها يجب فيه المقاتلة، وليس في الذم والتخطئة أوكد من ذلك.

ثم قال: والجواب أنه لا يجوز لقول يحمل ترك ما يعلم ضرورة (2)، ومعلوم من حال عمر إعظام أبي بكر، والقول بإمامته، والرضا ببيعته، وذلك يمنع مما ذكروه لأن المصوب للشئ لا يجوز أن يكون مخطئا له. وحكي عن أبي علي أن الفلتة ليست هي الزلة والخطيئة.

____________

(1) يقال: له عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح أي سعة.

(2) العلم الضروري الذي لا يمكن من علمه أن ينفيه بوجه من الوجوه.


الصفحة 125
بل هي البغتة، وما وقع فجأة من غير روية ولا مشاورة (1) واستشهد بقول الشاعر:


من يأمن الحدثان بعد صبيرة القرشي ماتا سبقت منيته المشيب وكان ميتته افتلاتا (2)

بمعنى نعتة من غير مقدمة، وحكي عن الرياشي (3) أن العرب تسمي آخر يوم من شوال فلتة من حيث أن من لم يدرك ثاره وطلبه فيه فاته، لأنه كانوا إذا دخلوا في الأشهر الحرم لا يطلبون الثأر، وذو القعدة من أشهر الحرم، وإنما سموه فلتة لأنهم أدركوا فيه ما كاد يفوتهم، فأراد عمر على هذا أن بيعة أبي بكر تداركها بعد ما كادت تفوت، وقوله: وقى الله شرها، دليل على التصويب لأن المراد بذلك أنه تعالى دفع شر الاختلاف فيها.

فأما قوله: " فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه " (4) فالمراد من عاد إلى

____________

(1) غ " بل يجب أن تكون محمولة - على ما نقل أهل اللغة - من أن المراد بها بغتة وفجأة من غير روية ومشاورة ".

(2) في المغني هكذا: " هربا من الحدثان بعد جبيرة القرشي ماتا سبقت منه المشيب وكا، وعلق محقق المغني على هذا البيت بقوله: " تحريف أضاع منه الوزن والمعنى، ولو أنه جعل " ماتا " في الشطر الأول لاستقام الوزن، ولو كلف نفسه البحث عن البيتين لوجدهما في الكامل للمبرد 1 / 348 وظهر له المعنى.

(3) غ " أو على ما ذكره عسكر عن الرياشي " والذي عند ابن أبي الحديد " قال شيخنا أبو علي رحمه الله ذكر الرياشي ".

(4) علق ابن أبي الحديد على كلام شيخه هذا بقوله: " واعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات كثيرة كان يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلطة الطينة، وجفاء الطبيعة، ولا حيلة له فيها، لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها، ولا ريب عندنا أنه كان يتعاطى أن يتلطف، وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة، فينزع به الطبع الجاسي، والغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات، ولا يقصد بها سوء، ولا يريد بها ذما ولا تخطئة كما قدمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض النبي صلى الله عليه وآله، وكاللفظات التي قالها عام الحديبية وغير ذلك والله تعالى لا يجازي المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أطهر النيات، وأخلصها لله تعالى وللمسلمين، ومن أنصف علم أن هذا الكلام حق، وأنه يغني عن تأويل شيخنا أبي علي، شرح نهج البلاغة 2 / 27 ".


الصفحة 126
مثلها من غير مشاورة ولا عدة ولا ضرورة ثم بسط يده على المسلمين ليدخلهم في البيعة قهرا فاقتلوه وإذا احتمل ذلك وجب حمله على المقدمة التي ذكرنا ولم نتكلف ذلك لأن قول عمر يطعن في بيعة أبي بكر، ولا أن قوله حجة عند المخالف (1) ولكن تعلقوا به وليوهموا أن بيعته غير متفق عليها، وأن أول من ذمها من عقدها...) (2) يقال له: أما ما تعلقت به من العلم الضروري برضى عمر ببيعة أبي بكر وإمامته، فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنه كان راضيا بإمامته، وليس كل من رضي شيئا كان متدينا به، معتقدا لصوابه، فإن كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هو أضر منها وإن كانوا لا يرونه صوابا، ولو ملكوا الاختيار لاختاروا غيرها، وقد علمنا أن معاوية كان راضيا ببيعة يزيد وولايته العهد من بعده، ولم يكن متدينا بذلك، ومعتقدا صحته، وإنما رضي عمر ببيعة أبي بكر من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ولو ملك الاختيار لكان مصير الأمر إليه آثر في نفسه، وأقر لعينه فإن ادعى أن المعلوم ضرورة تدين عمر ببيعة أبي بكر وأنه أولى بالإمامة منه فهو مدفوع عن ذلك أشد دفع، مع أنه قد كان يبدر منه - أعني عمر - في وقت بعد آخر ما يدل على ما ذكرناه، وقد روى الهيثم بن عدي (3) عن عبد الله بن عياش الهمداني (4) عن سعيد بن جبير

____________

(1) غ " ولا عند المخالف قوله حجة ".

(2) المغني 20 ق 1 / 340.

(3) الهيثم بن عدي الطائي الكوفي من رواة الأخبار روى عن هشام بن عروة وعبد الله بن عياش ومجالد توفي سنة 206.

(4) عبد الله بن عياش الهمداني الكوفي كان راوية للأخبار والآداب توفي سنة 185.


الصفحة 127
قال: ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر فقال رجل: كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها، فقال له ابن عمر: وما يدريك؟ فقال له الرجل: أوليس قد ائتلفا؟ فقال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون، وأشهد أني عند أبي يوما وقد أمرني أن أحبس الناس عنه، فاستأذن عبد الرحمن بن أبي بكر (1) فقال عمر دويبة سوء ولهو خير من أبيه، فأوحشني ذلك منه، فقلت: يا أبه عبد الرحمن خير من أبيه! فقال:

ومن ليس خيرا (2) من أبيه لا أم لك! ائذن لعبد الرحمن، فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر (3) أن يرضى عنه - وكان عمر قد حبسه في شعر قاله - فقال عمر: إن الحطيئة لبذي فدعني أقومه (4) بطول الحبس (5) فألح عليه عبد الرحمن وأبي عمر، وخرج عبد الرحمن فأقبل علي أبي وقال:

أفي غفلة أنت إلى يومك هذا على ما كان من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه لي؟ فقلت: يا أبه لا علم لي بما كان من ذلك، فقال: يا بني وما عسيت أن تعلم، فقلت: والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، قال: إن ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه، فقلت: يا أبه أفلا

____________

(1) عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة. صحابي اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فجعله رسول الله عبد الرحمن، حضر اليمامة وشهد غزو إفريقية وحضر الجمل مع عائشة مات بمكة سنة 53 (انظر الأعلام للزركلي 4 / 83).

(2) في شرح نهج البلاغة: " ومن ليس بخير من أبيه ".

(3) الحطيئة العبسي.

(4) في الأصل " احبسه " والتصحيح عن ابن أبي الحديد.

(5) في شرح نهج البلاغة " إن في الحطيئة أودأ فدعني أقومه بطول الحبس " والأود: الاعوجاج.


الصفحة 128
تحكي (1) عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم، قال: وكيف لي بذلك مع ما ذكرت أنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، إذن يرضخ رأس أبيك بالجندل (2) قال ابن عمر: ثم تجاسر والله فجسر فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس فقال: يا أيها الناس إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه (3).

وروى الهيثم بن عدي أيضا عن مجالد بن سعيد (4) قال غدوت يوما إلى الشعبي وإنما أريد أن أسأله عن شئ بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقول فأتيته في مسجد حيه (5) وفي المسجد قوم ينتظرونه فخرج فتعرفت إليه وقلت: أصلحك الله كان ابن مسعود يقول: ما كنت محدثا قوما حديثا لا يبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، قال: نعم، قد كان ابن مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقوله أيضا وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم، فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر، فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب (6) على أبي بكر، فقال الأزدي: والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل ولا أقوله بالجميل فيه من عمر في أبي بكر، فأقبل على عامر الشعبي فقال هذا

____________

(1) وفيه " تجلي ".

(2) يرضخ: يكسر، والجندل: الحجر.

(3) انظر شرح نهج البلاغة 2 / 28.

(4) مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي مات سنة 144 وهو ضعيف عند أهل الحديث.

(5) حيه أي الحي الذي كان نازلا فيه وفي الأصل " حبسه " والتصحيح عن ابن أبي الحديد.

(6) الضب: الحقد والغيظ، وجمعه ضباب.


الصفحة 129
مما سألت عنه، ثم أقبل على الرجل فقال يا أخا الأزد كيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها أترى عدوا يقول في عدو ويريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر؟ فقال الرجل: سبحان الله يا با عمرو أنت تقول ذلك! فقال الشعبي: أنا أقوله قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الاشهاد فلمه أودعه، فنهض الرجل مغضبا وهو يهمهم بشئ لم أفهمه في الكلام، فقال مجالد: فقلت للشعبي: ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم، قال إذا والله لا أحفل بذلك شيئا لم يحفل به ابن الخطاب حين قام على رؤوس المهاجرين والأنصار أحفل به وأنتم أيضا فأذيعوه عني ما بدا لكم (1) وقد روى شريك بن عبد الله النخعي (2) عن محمد بن عمرو بن مرة عن أبيه عن عبد الله بن سلمة عن أبي موسى الأشعري قال:

حججت مع عمر بن الخطاب فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي وأنا أريد عمر، فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني ثم قال: أين تريد؟

فقلت: أمير المؤمنين، فهل لك؟ قال: نعم، فانطلقنا نريد رحل عمر، فإنا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولي عمر وقيادته بما هو فيه، وحياطته على الاسلام، ونهوضه بما قبله من ذلك، ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر، ثم قال: فقلت للمغيرة: يا لك الخير لقد كان أبو بكر مسددا في عمر كأنه ينظر إلى قيامه من بعده، وجده واجتهاده وعنائه في الاسلام، فقال

____________

(1) انظر شرح نهج البلاغة 2 / 29.

(2) شريك بن عبد الله النخعي أبو عبد الله الكوفي، قال عنه ابن المبارك:

" أعلم بحديث الكوفيين من الثوري وقال عنه ابن معين: صدوق ثقة إلا أنه إذا خالف فغيره أحب إلينا منه " (انظر تهذيب التهذيب 4 / 335) ولعل قول ابن معين هذا سببه اتهام شريك بالتشيع، مات سنة 177.