الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

المغيرة: لقد كان ذلك، وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه، وما كان لهم في ذلك من حظ، فقلت له: لا أبا لك! ما نرى القوم الذين كرهوا (1) ذلك من عمر، فقال لي المغيرة: لله أنت كأنك في غفلة لا تعرف هذا الحي من قريش، وما قد خصوا به من الحسد! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشار الحسد وللناس عشر بينهم، فقلت: مه يا مغيرة! فإن قريشا قد بانت بفضلها على الناس، ولم نزل في ذلك حتى انتهينا إلى عمر بن الخطاب أو إلى رحله (2) فلم نجده، فسألنا عنه فقيل خرج آنفا، فمضينا نقفو أثره حتى دخلنا المسجد فإذا عمر يطوف بالبيت فطفنا معه، فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة فتوكأ على المغيرة، ثم قال من أين جئتما؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين خرجنا نريدك فأتينا رحلك فقيل لها: خرج يريد المسجد فاتبعناك، قال: تبعكما الخير، ثم أن المغيرة نظر إلي فتبسم، فنظر إليه عمر (3) فقال: مم تبسمت أيها العبد! فقال: من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك، فقال: وما ذاك الحديث فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش وذكر من أراد صرف أبي بكر عن ولاية عمر فتنفس عمر الصعداء (4) ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة وما تسعة أعشار الحسد، إن فيها لتسعة أعشار الحسد، وتسعة أعشار العشر، وفي الناس عشر العشر وقريش شركاؤهم في عشر العشر أيضا، ثم سكت مليا وهو يتهادى (5) بيننا، ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قريش كلها؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال:

____________

(1) في الشرح " ومن القوم الذين كرهوا ".

(2) وفيه " حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده ".

(3) وفيه " فرمقه عمر؟؟ ".

(4) الصعداء بضم الصاد والمد -: تنفس ممدود.

(5) مليا: طويلا، ويتهادى: يسير بهدوء.


الصفحة 131
وعليكما ثيابكما، قلنا نعم، قال: وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما؟

قلنا له: يا أمير المؤمنين وما بال الثياب؟ قال: خوف الإذاعة من الثياب، فقلت له: أتخاف الإذاعة من الثياب فأنت والله من ملبسي الثياب أخوف وما الثياب أردت! قال: هو ذاك، فانطلق وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلى أيدينا من يده، ثم قال: لا تريما (1) ثم دخل، فقلت للمغيرة: لا أبا لك لقد عثرنا بكلامنا وما كنا فيه، وما أراه حبسنا إلا ليذاكرنا إياها قال: فإنا لكذلك إذ خرج علينا آذنه فقال:

ادخلا فدخلنا، فإذا عمر مستلق على برذعة الرحل (2) فلما دخلنا أنشأ يتمثل بيت كعب بن زهير (3):


لا تفش سرك إلا عند ذي ثقة أولى وأفضل ما استودعت أسرارا
صدرا رحيبا وقلبا واسعا صمتا لا تخش منه إذا أودعت اظهارا (4)

فلما سمعناه يتمثل بالشعر علمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه، فقلنا له: يا أمير المؤمنين أكرمنا وخصنا ووصلنا قال: بماذا يا أخا الأشعرين (5)؟ قلنا: بإفشاء سرك إلينا وأشركنا في همك فنعم المستسران (6) نحن لك، فقال: إنكما لكذلك، فاسألا عما بدا لكما.

____________

(1) لا تريما: لا تبرحا، وفي الأصل لا تريحا، فآثرنا نقل ابن أبي الحديد.

وكذلك في حاشية ع.

(2) البرذعة - بالفتح -: الجلس الذي يلقى تحت الرحل.

(3) كعب بن زهير بن أبي سلمى صحابي صاحب " بانت سعاد " انظر ترجمته في أسد الغابة 4 / 240.

(4) في رواية ابن أبي الحديد:


صدرا وقلبا واسعا فمنا ألا تخاف متى أودعت إظهارا

(5) الأشعرين بحذف ياء النسبة قال في اللسان: " تقول العرب: جاء بك الأشعرون، بحذف ياء النسبة ".

(6) في الشرح " المستشاران لك وما في المتن أرجح.


الصفحة 132
قال: فقام إلى الباب ليغلقه فإذا آذنه الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك، فخرج وأغلق الباب خلفه، ثم أقبل إلينا فجلس معنا، فقال: سلا تخبرا قلنا: نريد أن تخبرنا بأحسد قريش الذي لم تأمن ثيابنا عليه أن تذكره لنا، فقال: سألتما عن معضلة، وسأخبر كما فلتكن عندكما في ذمة منيعة، وحرز ما بقيت، فإذا مت فشأنكما وما أحببتما من إظهار أو كتمان، قلنا: فإن لك عندنا ذلك.

قال أبو موسى: وأنا أقول في نفسي: ما أظنه يريد إلا الذين كرهوا من أبي بكر استخلافه عمر، وكان طلحة أحدهم فأشاروا عليه ألا يستخلفه لأنه فظ غليظ، ثم قلت في نفسي: قد عرفنا هؤلاء القوم بأسمائهم وعشائرهم، وعرفهم الناس، وإذا هو يريد غير ما نذهب إليه منهم فعاد عمر إلى النفس، ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظنا، قال: ومن تظنان، قلنا: نراك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر عنك قال كلا، بل كان أبو بكر أعق وأظلم، هو الذي سألتما عنه كان والله أحسد قريش كلها، ثم اطرق طويلا فنظر إلي المغيرة ونظرت إليه، وأطرقنا لإطراقه، وطال السكوت منا ومنه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه، ثم قال: وا لهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة! لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما، فقال له المغيرة: هذا يقدمك ظالما قد عرفنا فكيف خرج إليك منها آثما؟ قال: ذاك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها، وأما والله لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ (1) من حلاوتها بشئ أبدا، ولكني قدمت وأخرت وصعدت وصوبت (2) ونقضت وأبرمت فلم أجد إلا الاغضاء على ما نشبت منه فيها، والتلهف

____________

(1) تلمظ: تتبع بقية الطعام في فمه وأخرج لسانه فمسح به شفتيه.

(2) صعد: تأمله بالنظر من أعلاه وصوب: خفض رأسه ليتأمله من أسفله.


الصفحة 133
على نفسي (1) وأملت إنابته ورجوعه، فوالله ما فعل حتى فغر بها بشما (2)، فقال له المغيرة بن شعبة: فما منعك منها وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها؟ ثم أنت الآن تنقم بالتأسف عليه! فقال له:

ثكلتك أمك يا مغيرة إن كنت لأعدك من دهاة العرب كأنك كنت غائبا عما هناك، إن الرجل كادني فكدته، وماكرني فماكرته، وألفاني أحذر من قطاة، إنه، لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أن لا يريدوا به بدلا فأحب لما رأى من حرص الناس عليه، وشغفهم به، أن يعلم ما عندي، وهل تنازع إليها نفسي، وأحب أن يبلوني (3) بأطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرض علي منها لم يجبه الناس إلى ذلك، فألقاني قائما على أخمصي متشوزا (4) حذرا ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلى ذلك واختبأها ضغنا علي في قلبه، ولم آمن غائلته (5) ولو بعد حين مع ما بدا لي من كراهية الناس، أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها، فرددتها عليه فعند ذلك رأيته وقد التمع وجهه لذلك سرورا، ولقد عاتبني مرة على شئ بلغه عني، وذلك لما قدم بالأشعث بن قيس أسيرا فمن عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة (6) فقلت للأشعث

____________

(1) والتلهف فلم تجبني نفسي، خ. ل.

(2) فغر: فتح فاه، وفي رواية ابن أبي الحديد " نغر " أي امتلأ، والبشم:

التخمة.

(3) يبلوني: يختبرني.

(4) مستوشز: " مستوفزا " والمستوفز من قعد منتصبا غير مطمئن، عند ابن أبي الحديد.

(5) الغائلة والمغالة: الشر والداهية.

(6) وذلك أن الأشعث بن قيس ارتد مع من ارتد من بني وليعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوجوه عليهم ملكا كما يتوج الملك من قحطان واجتمعوا حوله وأظهروا الشماتة بوفاة رسول الله صلى الله علي وآله وسلم، وخضبوا الأيدي وضربت بغاياهم بالدفوف، وتوجهت إليهم جيوش المسلمين بقيادة زياد بن لبيد البياضي والي حضرموت وأعانه المهاجر بن أبي أمية والي صنعاء فانهزم الأشعث، وفر أصحابه، ولجأوا إلى الحصن المعروف النجير، فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا فنزل الأشعث ليلا وكلم زيادا والمهاجر وسألهما الأمان لنفسه وعشر من أهل بيته حتى يقدموا بهم على أبي بكر فيرى فيهم رأيه على أن يفتح لهم باب الحصن وتسلم إليهم من فيه فأمناه وأمضيا شرطه ففتح لهم الحصن، واستنزلوا من فيه، وأخذوا أسلحتهم ثم قتلوا منهم ثمانمائة وحملوا الأشعث وأهل بيته إلى المدينة فعفا أبو بكر عنه وعن هم وزوجه أخته أم فروة فكان الأشعث يسمى بعد ذلك عرف النار، قال الطبري في التاريخ 3 / 275: " وكان الأشعث يلعنه المسلمون ويلعنه الكافرون وسماه قومه عرف النار، كلام يماني يسمون به الغادر عنهم.


الصفحة 134
وهو بين يدي أبي بكر: يا عدو الله أكفرت بعد إسلامك! وارتددت كافرا ناكصا على عقبيك؟ فنظر إلى الأشعث نظرا شزرا علمت له أنه يريد كلاما يكلمني به، ثم سكت فلقيني بعد ذلك في بعض سكك المدينة فرافقني. ثم قال لي: أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب؟ قلت: نعم يا عدو الله، ولك عندي شر من ذلك، فقال: بئس الجزاء هذا لي منك؟

فقلت: على م تريد مني حسن الجزاء؟ قال: لا نفتي لك من اتباع هذا الرجل - يريد أبا بكر - وما جرأني على الخلاف عليه إلا بقدمه عليك وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها ما رأيت مني خلافا عليك، قلت: قد كان ذلك فما تأمر الآن؟ قال: ما هذا وقت أمر إنما هو وقت صبر، حتى يأتي الله بفرج ومخرج، فمضى ومضيت، ولقي الأشعث بن قيس الزبرقان بن بدر السعدي (1) فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل

____________

(1) الزبرقان بن بدر السعدي: صحابي من رؤساء قومه، قيل: اسمه الحصين ولقب بالزبرقان، وهو من أسماء القمر، لحسن وجهه، ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله صدقات قومه، فثبت إلى أيام عمر وكف بصره في آخر عمره، وكان شاعرا فصيحا، فيه جفاء الأعراب. توفي سنة 45 (الإصابة حرف الزاي والأعلام 3 / 72).


الصفحة 135
الزبرقان إلى أبي بكر الكلام فأرسل إلي فأتيته فذكر لي ذلك ثم قال: إنك لمتشوف (1) إليها يا ابن الخطاب فقلت وما يمنعني من التشوف لذلك فذكر أحق به فمن غلبني عليه، أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس يحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا، فقال: إذا نستديمها على أنها صائرة إليك إلى أيام، فما ظننت أنه يأتي عليه جمعة حتى يردها على فتغافل والله فما ذكر لي والله بعد ذلك المجلس حرفا حتى هلك، ولقد مد في أمدها عاضا على نواجذه حتى حضره الموت فأيس منها فكان منه ما رأيتما، ثم قال: اكتما ما قلت لكما عن بني هاشم (2) خاصة وليكن منكم حيث أمرتكما إذا شئتما على بركة الله فمضينا ونحن نعجب من قوله، ووالله ما أفشينا سره حتى هلك (3) فكأني بهم عند سماع هذه الأخبار يستغرقون ضحكا تعجبا، واستبعادا وانكارا، ويقولون: كيف نصغي إلى هذه الأخبار، ومعلوم ضرورة تعظيم عمر لأبي بكر ووفاقه له، وتصويبه لإمامته، وكيف يطعن عمر في إمامة أبي بكر وهي أصل لإمامته، وقاعدة لولايته، وليس هذا بمنكر ممن طمست العصبية على قلبه وعينه، فهو لا يرى ولا يسمع إلا ما يوافق اعتقادات مبتدأة قد اعتقدها، ومذاهب فاسدة قد انتحلها، فما بال هذه الضرورة تخصهم ولا تعم من خالفهم، ونحن نقسم بالله على أنا لا نعلم ما يدعونه، ونزيد على ذلك بأنا نعتقد أن الأمر بخلافه، وليس في طعن عمر على بيعة أبي بكر ما يؤدي إلى فساد إمامته، لأنه يمكن أن يكون

____________

(1) تشوف إلى الشئ: تطلع.

(2) في رواية ابن أبي الحديد " عن الناس كافة وعن بني هاشم خاصة ".

(3) انظر شرح نهج البلاغة 2 / 33،

الصفحة 136
ذهب إلى أن إمامته لم تثبت إلا بالنص عليه، وإنما ثبتت بالإجماع من الأمة والرضا، فقد ذهب إلى ذلك جماعة من الناس، ويرى أن إمامته أولى من حيث لم تقع بغتة ولا فجأة، ولا اختلف الناس في أصلها وامتنع كثير منهم من الدخول فيها، حتى أكرهوا وتهددوا وخوفوا.

فأما الفلتة فإنها وإن كانت محتملة للبغتة على ما حكى صاحب الكتاب وللزلة أيضا والخطيئة فالذي يخصصها بالمعنى الذي ذكرناه قوله: " وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه " وهذا الكلام لا يليق بالمدح وهو بالذم أشبه فيجب أن يكون محمولا على معناه.

وقوله: (إن المراد وقى الله شرها، إنه دفع شر الاختلاف فيها) وعدل عن الظاهر، لأن الشر في ظاهر الكلام مضاف إليها دون غيرها، وأبعد من هذا التأويل قوله: (إن المراد من عاد إلى مثلها من غير ضرورة وأكره المسلمين عليها فاقتلوه) لأن ما جرى هذا المجرى لا يكون مثلا لبيعة أبي بكر عندهم. لأن كل ذلك ما جرى على مذاهبهم فيها وقد كان يجب على هذا أن يقول: من عاد إلى خلافها فاقتلوه، وليس له أن يقول: إنما أراد بالتمثيل وجها واحدا، وهو وقوعهما من غير مشاورة لأن ذلك إنما تم في أبي بكر خاصة لظهور أمره، واشتهار فضله، ولأنهم بادروا إلى العقد خوفا من الفتنة، وذلك أنه غير منكر أن يتفق من ظهور فضل غير أبي بكر بالعقد له واشتهار أمره، وخوف الفتنة ما اتفق لأبي بكر فلا يستحق قتلا ولا ذما على أن قوله: " مثلها " يقتضي وقوعها على الوجه الذي وقعت عليه وكيف يكون ما وقع من غير مشاورة لضرورة داعية وأسباب موجبة مثلا لما وقع بلا مشاورة، ومن غير ضرورة ولا أسباب! والذي رواه عن أهل اللغة من أن آخر يوم من شوال يسمى فلتة من حيث لم يدرك فيه ثاره فإنا لا نعرفه، والذي نعرفه من القوم أنهم يسمون الليلة التي ينقضي بها أحد

الصفحة 137
الشهور الحرم ويتم فلتة، وهي آخر ليلة من ليالي الشهر لأنه ربما رأى قوم الهلال لتسع وعشرين ولم يبصره الباقون فيغير هؤلاء على أولئك وهم غارون (1)، فلهذا سميت هذا الليلة فلتة، على إنا قد بينا أن مجموع الكلام يقتضي ما ذكرناه من المعنى، ولو سلم له ما رواه عن أهل اللغة في احتمال هذه اللفظة (2).

وقوله في أول الكلام: (وليست الفلتة الزلة والخطيئة) إن أراد أنها لا تختص بذلك صحيح، وإن أراد أنها لا تحملها فهو ظاهر الخطأ لأن صاحب " العين " قد ذكر في كتابه: إن الفلتة من الأمر الذي يقع على غير أحكام.

وبعد، فلو كان عمر لم يرد بقوله توهين بيعة أبي بكر بل أراد ما ظنه المخالفون لكان ذلك عائدا عليه بالنقص، لأنه وضع كلامه في غير موضعه، وأراد شيئا فعبر عن خلافه، فليس يخرج هذا الخبر من أن يكون طعنا على أبي بكر إلا بأن يكن طعنا على عمر.

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى، قالوا: قد روي عن أبي بكر أنه قال عند موته: ليتني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ثلاثة فذكر في أحدها ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق، وذلك أنه يدل على شكه في بيعة (3) نفسه وربما قالوا قد روي أنه قال في مرضه: ليتني كنت تركت بيت فاطمة عليها السلام لم أكشفه، وليتني

____________

(1) غارون: غافلون.

(2) نقل ذلك ابن أبي الحديد عن " الشافي " بتحوير واختلاف يسير في بعض الحروف والكلمات (انظر شرح نهج البلاغة 2 / 34 و 35).

(3) في المغني " في صحة بيعة نفسه ويمنع من كونها صوابا ".


الصفحة 138
في ظلة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين، فكان هو الأمير وكنت الوزير، قالوا: وذلك يدل على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة عليها السلام عند اجتماع أمير المؤمنين عليه السلام والزبير وغيرهما فيه، ويدل على أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه [ ولا يدل على أنه لم يكن عالما ] (1).

ثم قال: (الجواب عن ذلك أن قوله: ليتني، لا يدل على الشك فيما تمناه، وقول إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) (2) أقوى من ذلك على الشبهة (3) ثم حمل تمنيه على أنه أراد سماع شئ مفصل أو أراد ليتني سألته عند الموت لقرب العهد لأن ما قرب عهده لا ينسى ويكون أردع للأنصار لما حاولوه) ثم قال: (على أنه ليس في ظاهره أنه تمنى أن يسأل (4) هل لهم حق في الإمامة أم لا لأن الإمامة قد يتعلق بها حقوق سواها) ثم دفع الرواية المتعلقة ببيت فاطمة عليها السلام وقال: (فإن تمنيه أن يبايع غيره فلو ثبت لم يكن ذما لأن من شهد التكليف عليه فهو يتمنى خلافه)...) (5).

يقال له: ليس يجوز أن يقول أبو بكر: ليتني سألت عن كذا إلا مع الشك والشبهة لأن مع العلم واليقين لا يجوز مثل هذا القول هكذا يقتضي الظاهر فأما قول إبراهيم عليه السلام فإنما ساغ أن يعدل عن

____________

(1) الزيادة من المغني.

(2) البقرة / 62.

(3) غ " في الشبهة ".

(4) غ " يشك " تصحيف.

(5) المغني 20 ق 1 / 341.


الصفحة 139
ظاهره لأن الشك لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام ويجوز على غيرهم على أنه عليه السلام قد نفى عن نفسه الشك بقوله: (بلى ولكن ليطمئن قلبي) وقد قيل إن نمرود قال له: إذا كنت تزعم أن لك ربا يحيي الموتى فسله أن يحيي لنا ميتا إن كان على ذلك قادرا فإن لم يفعل ذلك فقتلتك فأراد بقوله (ولكن ليطمئن قلبي) أي لآمن توعد عدوك لي بالقتل وقد يجوز أن يكون طلب ذلك لقومه وقد سألوه أن يرغب إلى الله فيه فقال: (ليطمئن قلبي) إلى إجابتك لي وإلي إزاحة علة قومي ولم يرد ليطمئن قلبي إلى أنك تقدر أن تحيي الموتى لأن قلبه بذلك مطمئن وأي شئ يريد أبو بكر من التفضيل أكثر من قوله: إن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحي من قريش [ والأئمة من قريش ] (1) وأي فرق بين ما يقال عند الموت وما يقال قبله إذا كان محفوظا معلوما لم يرفع حكمه ولم ينسخ، وبعد فظاهر الكلام لا يقتضي هذا التخصيص ونحن مع الإطلاق والظاهر، وأي حق يجوز أن يكون للأنصار في الإمامة غير أن يتولاها رجل منهم حتى يجوز أن يكون الحق الذي تمنى أن يسأل عنه غير الإمامة، وهل هذا إلا تعسف وتكلف، وأي شبهة تبقى بعد قول أبي بكر: ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر شئ فكنا لا ننازعه أهله، ومعلوم أن التنازع لم يقع بينهم إلا في الإمامة نفسها لا في حق آخر من حقوقها.

فأما قوله: (إنا قد بينا أنه لم يكن منه في بيت فاطمة عليها السلام ما يوجب أن يتمنى أن لم يفعله) فقد بينا فساد ما ظنه في هذا الباب، ومضى الكلام فيه مستقصى.

فأما قوله: (إن من اشتد التكليف عليه قد يتمنى خلافه) فليس بصحيح لأن ولاية أبي بكر إذا كانت هي التي اقتضاها الدين والنظر

____________

(1) ما بين المعقوفين من المغني.


الصفحة 140
للمسلمين في تلك الحال، وما عداها كان مفسدة ومؤديا إلى الفتنة فالتمني بخلافها لا يكون إلا قبيحا.

قال صاحب الكتاب بعد أن ذكر شيئا لا يتعلق به من أن أبا بكر نص على عمر، وترك التأسي بالرسول صلى الله عليه وآله لأنه لم يستخلف وأجاب عنه (وربما قالوا في الطعن عليه: إنه ولى عمر ولم يوله رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا من أعماله إلا ما ولاه يوم خيبر فرجع منهزما وولاه الصدقة فلما شكى إليه (1) العباس عزله).

ثم أجاب (بأن تركه عليه السلام أن يوليه لا يدل على أنه لا يصلح لذلك لأنه قد ولى خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ولم يدل على أنهما يصلحان للإمامة وكذلك تركه أن يولي لا يدل على أنه غير صالح للإمامة بل المعتبر بالصفات التي بها يصلح للإمامة فإذا كملت صلح لذلك ولي من قبل أو لم يول [ فإذا كان لو كان قد ولاه لم يدل على صلاحه للإمامة كما ذكرنا في خالد وغيره. فتركه لأن يوليه لا يدل على ما قالوه ] (2) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله ترك أن يولي أمير المؤمنين ولايات كثيرة، ولم يجب أن لا يصلح لها [ بل معتبر بالصفات التي لها تصلح للإمامة ] (2) وثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يول الحسين عليه السلام ولم يمنع ذلك من أن يصلح للإمامة) وحكي عن أبي علي (على أن ذلك إنما كان يصح أن يتعلق به لو ظفروا بتقصير من عمر فيما يتولاه، فأما وأحواله معروفة في قيامه بالأمر حين يعجز غيره فكيف يصح ما قالوه، وبعد فهلا دل ما روي من قوله: (وإن وليتم عمر تجدوه قويا في أمر الله قويا في ندبه)

____________

(1) غ " شكاه ".

(2) التكملة تحت هذا الرقم من " المغني ".


الصفحة 141
على جواز ذلك وإن ترك أن يوليه لأن هذا القول أقوى من الفعل...) (1).

يقال له: قد علمنا من العادة أن من يرشح لكبار الأمور لا بد من أن يدرج إليها بصغارها لأن من يريد بعض الملوك تأهيله للأمر بعده لا بد أن ينبه عليه بكل قول وفعل يدل على ترشيحه لهذه المنزلة، ويستكفيه من أموره وولاياته ما يعلم عنده أو يغلب في الظن صلاحه لما يريده له، وأن من يرى أن الملك مع حضوره، وامتداد الزمان وتطاوله ولا يستكفيه شيئا من الولايات ومتى ولاه عزله وإنما يولي غيره ويستكفي سواه لا بد أن يغلب في الظن أنه ليس بأهل للولاية وإن جوزنا أنه لم يوله لأسباب كثيرة سوى أنه لا يصلح للولاية إلا أن مع هذا التجويز لا بد أن يغلب الظن بما ذكرناه.

فأما خالد وعمرو فإنما لم يصلحا للإمامة لفقد شروط الإمامة فيهما وإن كانا يصلحان لما ولياه من الإمارة، فترك الولاية مع امتداد الزمان، وتطاول الأيام، وجميع الشروط التي ذكرناها تقتضي غلبة الظن لفقد الصلاح والولاية لشئ لا يدل على الصلاح لغيره إذا كانت الشرائط في القيام بذلك الغير معلوما فقدها، وقد نجد الملك يولي بعض أموره من لا يصلح الملك بعده لظهور فقد الشرائط فيه ولا يجوز أن يكون بحضرته من يرشحه للملك بعده ولا يوليه على تطاول الزمان شيئا من الولايات، فبان الفرق بين الولاية وتركها فيما ذكرناه.

فأما أمير المؤمنين عليه السلام وإن لم يتول جميع أمور النبي صلى الله

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 342.


الصفحة 142
عليه وآله في حياته فقد تولى أكثرها وأعظمها، وخلفه عليه السلام بالمدينة وكان الأمير على الجيش المبعوث إلى خيبر وجرى الفتح على يديه بعد انهزام من انهزم عنها وكان المؤدي عنه سورة براءة بعد عزل أبي بكر عنها وارتجاعها (1) منه إلى غير ذلك من عظيم الولايات والمقامات مما يطول بذكره الشرح ولو لم يكن إلا أنه لم يول عليه واليا لكفى.

فأما اعتراضه بأن أمير المؤمنين لم يول الحسين فبعيد من الصواب، لأن أيام أمير المؤمنين عليه السلام لم تطل حتى يتمكن فيها من مراداته وكانت على قصرها منقسمة بين قتال الأعداء، ولأنه عليه السلام لما بويع لم يلبث أن خرج عليه أهل البصرة فاحتاج إلى قتالهم، ثم انكفأ من قتالهم إلى قتال أهل الشام (2) وتعقب ذلك قتال أهل النهروان، فلم يستقر به الدار ولا امتد له الزمان وهذا بخلاف أيام النبي صلى الله عليه وآله التي تطاولت وامتدت على إنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن، وإنما يطلب الولايات لغلبة الظن بالصلاح للإمامة فإذا كان هناك وجه يقتضي العلم بالصلاح لها كان أولى من طريق الظن، على أنه لا خلاف بين المسلمين بأن الحسين عليه السلام كان يصلح للإمامة وإن لم يوله أبوه الولايات وفي مثل ذلك خلاف من حال عمر فافترق الأمران.

فأما قوله: (في أنه لم يعثر على عمر بتقصير في الولاية فمن سلم ذلك أوليس يعلم أن مخالفته تعد تقصيرا كثيرا ولو لم يكن إلا ما اتفق عليه من خطئه في الأحكام ورجوعه من قول إلى غيره واستفتائه الناس في الصغير والكبير وقوله " كل الناس أفقه من عمر " لكان فيه كفاية، وليس

____________

(1) في شرح النهج " بعد عزل من عزل عنها ".

(2) في الأصل " إلى قبائل أهل الشام " فآثرنا ما في شرح نهج البلاغة.


الصفحة 143
كل النهوض بالإمامة يرجع إلى حسن التدبير والسياسة الدنياوية ورم العمال والاستظهار في حياته الأموال وتمصير الأمصار، ووضع الأعشار، بل حظ الإمامة من العلم بالأحكام والفتيا بالحلال والحرام والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه أقوى فمن قصر في هذا لم ينفعه أن يكون كاملا في ذلك.

فأما قوله: فالأدل ما روي من قوله: (وإن وليتم عمر تجدوه قويا في أمر الله قويا في بدنه) فهذا لو ثبت لدل وقد تقدم الكلام على هذا الخبر وأمثاله فيما سلف من هذا الكلام، وأقوى ما يبطله عدول أبي بكر عن ذكره والاحتجاج به، لما أراد النص على عمر فعوتب على ذلك، وقيل له: ما تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا؟ ولو كان صحيحا لكان يحتج به ويقول: وليت عليكم من عهد النبي صلى الله عليه وآله بأنه قوي في أمر الله قوي في بدنه وقد قيل فيما يطعن (1) على هذا الخبر أن ظاهره يقتضي تفضيل عمر على أبي بكر والاجماع (2) بخلاف ذلك لأن القوة في الجسم فضل، قال الله تعالى: (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) (3) وبعد فكيف يعارض ما اعتمدناه من عدوله عليه السلام عن ولايته وهو أمر معلوم بهذا الخبر المردود المدفوع (4).

____________

(1) ش " وقد قيل في الطعن على صحة هذا الخبر ".

(2) أنكر ابن أبي الحديد هذا الإجماع وقال معلقا على كلام المرتضى: " إن كتب الكلام والتصانيف المصنفة في المقالات مشحونة بذكر الفرقة العمرية، وهم القائلون: إن عمر أفضل من أبي بكر، وهي طائفة عظيمة من المسلمين، يقال: إن عبد الله بن مسعود منهم، وقد رأيت جماعة من الفقهاء يذهبون إلى هذا ويناظرون عليه " (شرح نهج البلاغة 17 / 174).

(3) البقرة / 247.

(4) كلام قاضي القضاة هنا في تولية عمر (رض) ونقض المرتضى له نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 17 ص 168 - 171.


الصفحة 144
قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى) قال: (وأحد ما طعنوا به في إمامته حديث أسامة بن زيد (1) وذكروا أنه كان في جيشه وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كرر حين موته الأمر بتنفيذ جيش أسامة فتأخره يقتضي مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله، فإن قلتم: إنه لم يكن في الجيش، قيل لكم: لا شك أن عمر بن الخطاب كان في الجيش وأنه حبسه ومنعه من النفوذ مع القوم، وهذا كالأول في أنه معصية، وربما قالوا: إنه جعل في جيش أسامة هؤلاء القوم ليبعدوا بعد وفاته [ عن المدينة ] (2) ولا يقع منهم توثب على الإمامة، ولذلك لم يجعل أمير المؤمنين، عليه السلام في ذلك الجيش، وجعل فيه أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وذلك من أوكد الدلالة على أنه لم يرد أن يختاروا للإمامة) (3) ثم أجاب عن ذلك بأن أنكر أو لا أن يكون أبو بكر في جيش أسامة، وأحال على كتب المغازي ثم سلم ذلك [ وقال: إن الأمر لا يلزم الفور فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا) ثم قال: (إن ] (4) خطابه عليه السلام بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى القائم بعده بالأمر لأنه من خطاب الأئمة، وهذا يقتضي أن لا يدخل المخاطب بالإنفاذ في الجملة)

____________

(1) أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله استعمار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة في علته التي توفي فيها توفي آخر أيام معاوية (انظر أسد الغابة 1 / 66).

وكلام القاضي في هذه المسألة ونقض المرتضى له نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 17 ص 175 - 181.

(2) التكملة من " شرح نهج البلاغة ".

(3) المغني 20 ق 1 / 344 مع اختلاف في الألفاظ وتفاق في المغني.

(4) ما بين المعقوفين ساقط من " الشافي " وأعدناه من " المغني " وهو منقول عن " الشافي " في " شرح نهج البلاغة 17 / 175 ".


الصفحة 145
ثم قال (هذا يدل على إنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه لأنه لو كان كذلك لا قبل بالخطاب عليه وخصه بالأمر بالإنفاذ دون الجميع...) (1) ثم ذكر أن أمره صلى الله عليه وآله بالإنفاذ لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة، وبأن لا يعرض ما هو أهم منه، لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ وإن أعقب ضررا في الدين، وقواه بأنه لم ينكر على أسامة تأخره وقوله: لم أكن لأسأل عنك الركب وأكد كون الأمر مشروطا بكلام كثير لا طائل فيه، وفي حكايته وقال: (لو كان الإمام منصوصا عليه - كما يقولون - (2) لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته فكذلك إذا كان بالاختيار) (3) وحكي عن أبي علي استدلاله أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة بأنه ولاه الصلاة في مرضه مع تكرره أمر الجيش بالنفوذ والخروج) (4) ثم ذكر (إن الرسول صلى الله عليه وآله إنما يأمر بما يتعلق بمصالح الدنيا من الحروب وغيرها عن اجتهاده، وليس بواجب أن يكون ذلك عن وحي كما وجب في الأحكام الشرعية وإن اجتهاده يجوز أن يخالف بعد وفاته، وإن لم يجز في حياته لأن اجتهاده في الحياة أولى من اجتهاد غيره) (5) ثم ذكر (إن العلة في احتباس عمر عن النفوذ مع الجيش حاجة إليه (6) وقيامه بما لا يقوم به غيره وإن ذلك أحوط للدين من نفوذه) ثم

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 345.

(2) الجملة المعترضة من " المغني ".

(3) المغني 20 ق 1 / 346.

(4) المغني نفس الصفحة.

(5) غلق أب أبي الحديد على كلام شيخه هذا بقوله: " فليس يكاد يظهر لأن اجتهاده وهو ميت أولى أيضا من اجتهاد غيره " قال " ويغلب على ظني أنهم فرقوا بين حالتي الحياة والموت، فإن في مخالفته وهو حي نوعا من أذى له وأذاه محرم لقوله تعالى:

(وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) والأذى بعد الموت لا يكون فافترق الحالان "!!

واترك للقارئ الكريم الحكم في هذا الاجتهاد المزعوم والتعليق على هذا التفريق.

(6) غ " حاجة أبي بكر إليه ".


الصفحة 146
ذكر: (إن أمير المؤمنين عليه السلام حارب معاوية بأمر الله تعالى وأمر رسوله ومع هذا فقد ترك محاربته في بعض الأوقات ولم يجب بذلك ألا يكون ممتثلا للأمر وذكر توليته عليه السلام أبا موسى الأشعري وتولية الرسول صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد (1) مع ما ظهر منهما وإن كل ذلك يقتضي الشروط) ثم ذكر (إن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة يجب تأخره ليختار للإمامة أحدهم لأن ذلك أهم من نفوذهم، فإذا جاز لهذه العلة التأخر قبل العقد جاز التأخر بعده للمعاضدة وغيرها) وطعن في قول من جعل إخراجهم في الجيش على طريق الابعاد ليؤمن بحضوره أمر النص بأن قال: (إن بعدهم لا يمنع من أن يختاروا للإمامة ولأنه عليه السلام لم يكن قاطعا على موته لا محالة لأنه لم يرد نفذوا جيش أسامة في حياتي).

ثم ذكر إن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي فضله وإنهما دونه، وذكر ولاية عمرو بن العاص عليهما وإن لم يكونا دونه في الفضل وإن أحدا لم يفضل أسامة عليهما.

ثم ذكر أن السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة أن عبد الله ابن أبي ربيعة المخزومي (2) قال عند ولاية أسامة تولي علينا شابا حدثا

____________

(1) يريد تولية: أبي موسى في التحكيم وتولية خالد السرية إلى الغميصاء وهو الموضع الذي أوقع خالد فيه ببني جذيمة وتبرأ رسول الله صلى الله عليه وآله من فعله، وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد) وأرسل إليهم عليا وودى لهم كل شئ حتى مليغة الكلب، والقضية رواها عامة أهل السير وانظر (سيرة ابن هشام).

(2) نقل ابن أبي الحديد عن الواقدي " إن المنكر لإمارة أسامة عياش بن أبي ربيعة " قال " وغير الواقدي يقول عبد الله بن أبي عياش وقد قيل عبد الله بن أبي ربيعة أخو عياش " (الشرح 17 / 182).