موقع عقائد الشيعة الإمامية >> مذهب الشيعة >> الإئمة الإثنا عشر >> الإمام علي بن موسى الرضا
آية الله الشيخ جعفر السبحاني: أضواء على عقائد الشيعة الإمامية
ولادته (عليه السلام): ولد في المدينة سنة 148 ه.
إمامته (عليه السلام): هو الإمام الثامن من أئمة أهل
البيت (عليهم السلام)، القائم بالإمامة
بعد أبيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) لفضله على
جماعة أهل بيته وبنيه وإخوته في عصره، ولعلمه وورعه
وكفاءته لمنصب الإمامة، مضافا إلى النصوص الواردة في
حقه من أبيه على إمامته (1).
وكانت مدة إمامته بعد أبيه 20 سنة (2).
|
أقوال العلماء فيه (عليه السلام):
قال الواقدي: علي
بن موسى، سمع الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم، وكان
ثقة يفتي بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو
ابن نيف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من
التابعين من أهل المدينة (1).
قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: ومن أمعن نظره وفكره، وجده في الحقيقة وارثهما (المراد علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين (عليهما السلام)) نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفعت مكانته، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته، وفوض إليه أمر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه علية، وصفاته ثنية، ونفسه الشريفة زكية هاشمية، وأرومته النبوية كريمة (2).
وقد عاش الإمام الرضا (عليه السلام) في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحدة وأحبار اليهود، وبطارقة النصارى، ومجسمة أهل الحديث. وفي تلك الأزمنة أتيحت له (عليه السلام) فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم، فظهر برهانه وعلا شأنه. يقف على ذلك من اطلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء (3).
ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي:
|
دخل أبو قرة المحدث على أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) فقال: روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين،
فقسم لموسى (عليه السلام) الكلام ولمحمد (صلى الله
عليه وآله) الرؤية.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): " فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن
والإنس: أنه { لاَّ تُدْرِكُهُ
الأَبْصَارُ } (1)، و { َلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا
} (2)، و {
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
} (3)، أليس محمد (صلى الله عليه وآله) "؟
قال: بلى.
قال: " فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من
عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول:
{ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ }، و { َلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا }، و {
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }، ثم يقول: أنا رأيته بعيني وأحطت به
علما، وهو على صورة البشر. أما تستحيون؟! ما قدرت
الزنادقة أن ترميه بهذا: أن يأتي من عند الله بشئ ثم
يأتي بخلافه من وجه آخر ".
قال أبو قرة: فإنه يقول:
{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً
أُخْرَى } (4).
قال أبو الحسن (عليه السلام): " إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث
قال: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ
مَا رَأَى } (5) يقول: ما كذب
فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله) ما رأت عيناه ثم
أخبر بما رأى فقال: { لَقَدْ
رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى
} (6) فآيات الله غير الله، وقال: " َلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا
" فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة
".
فقال أبو قرة: فتكذب بالرواية؟
|
فقال أبو الحسن: " إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها، وما أجمع المسلمون عليه: أنه لا يحاط به علما، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شئ " (1).
ولما انتشر علم الإمام وفضله، أخذت الأفئدة والقلوب تشد إليه، وفي الأمة الإسلامية رجال واعون يميزون الحق من الباطل، فكثر التفاف المسلمين حول الإمام الرضا (عليه السلام) وازدادت أعدادهم، مما دفع بالخلافة العباسية إلى محاولة سحب البساط من تحت رجلي الإمام (عليه السلام) وأعوانه قبل أن تستفحل الأمور ويصعب السيطرة على الموقف بعدها، فلجأ المأمون إلى مناورة ذكية ماكرة استطاع من خلالها قلب تيار الأحداث لصالحه، حيث استقدم الإمام الرضا (عليه السلام) وجملة من وجوه الطالبيين إلى مقر الحكومة آنذاك في مرو من مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، معززين مكرمين حتى أنزلوهم إلى جوار مقر الخلافة ريثما يلتقي المأمون بالإمام علي ابن موسى (عليهما السلام).
الإمام الرضا (عليه السلام) وولاية العهد: وما كان من المأمون إلا أن بعث إلى الإمام الرضا (عليه السلام) قبل اجتماعه به: إني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها فما رأيك؟ فأنكر الرضا (عليه السلام) هذا الأمر وقال له: " أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد " فرد عليه الرسالة: فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد بعدي، فأبى عليه الرضا إباء شديدا. فاستدعاه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرياستين - ليس في المجلس
|
غيرهم -
وقال له: إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما
في رقبتي وأضعه في رقبتك.
فقال له الرضا (عليه السلام): " الله الله يا أمير
المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه ".
قال له: فإني موليك العهد من بعدي.
فقال له: " أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين ".
فقال له المأمون - كلاما فيه التهديد له
على الامتناع عليه وقال في كلامه -: إن عمر بن الخطاب
جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين (عليه
السلام) وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولا بد من
قبولك ما أريد منك فإني لا أجد محيصا عنه.
فقال له الرضا (عليه السلام): " فإني أجيبك إلى ما تريد من
ولاية العهد على أنني لا آمر، ولا أنهى، ولا أفتي،
ولا أقضي، ولا أولي، ولا أعزل، ولا أغير شيئا مما هو
قائم " فأجابه المأمون إلى ذلك كله (1).
أقول: ليس بخاف على ذي لب مغزى إصرار المأمون على تولية الإمام الرضا (عليه السلام) لمنصب ولاية العهد، وتبدو هذه الصورة واضحة عند استقراء الأحداث التي سبقت أو رافقت هذه المؤامرة المحكمة.
فعندما قدم هارون الرشيد ولده الأمين رغم إقراره ومعرفته بقوة شخصية المأمون وذكائه قياسا بأخيه المدلل الذي لا يشفع له إلا مكانة أمه زبيدة الحاكمة في قصر الرشيد، كان يعني ذلك إيذانا بقيام الفتنة التي حصلت من بعد وراح ضحيتها عشرات الألوف وعلى رأسهم الأمين الذي وقف العباسيون إلى صفه وقاتلوا معه، ولما انتقلت السلطة بأكملها إلى المأمون المستقر في خراسان والمدعوم بأهلها
|
آنذاك، فقد واجه خطر نقمة أكثر العباسيين وعدائهم له وتحينهم الفرص السانحة للانقضاض عليه وعلى حكمه.
وفي
الجانب الآخر كان الشيعة في كل مكان يرفضون ويناصبون
الخلافة العباسية العداء نتيجة سوء صنيعهم وظلمهم
للعلويين ولآل البيت خاصة، والذين يؤلف شيعة خراسان
جانبا مهما منهم.
وكان في أول سنة لخلافة المأمون أن خرج السري بن منصور
الشيباني المعروف بأبي السرايا في الكوفة مناديا
بالدعوة لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن
الحسن بن علي (عليه السلام) حيث بايعه عامة الناس على
ذلك.
وفي المدينة خرج محمد بن سليمان بن
داود بن الحسن، وفي البصرة علي بن محمد بن جعفر بن
علي بن الحسين وزيد بن موسى بن جعفر الملقب بزيد النار، وفي اليمن إبراهيم بن موسى،
ومن ثم فقد ظهر في المدينة أيضا الحسن بن الحسين بن
علي بن الحسين المعروف بالأفطس.
وهكذا فقد اندلعت في أنحاء الدولة الكثير من الثورات
تناصرها الآلاف من الناس الذين ذاقوا الأمرين من حكم
الطواغيت والظلمة.
وهكذا فقد أدرك المأمون مدى تأزم الموقف، وتخلخل وضع الحكومة آنذاك، فلم يجد بدا من تظاهره أمام الرأي العام الشيعي - الذي كان من أقوى التيارات المؤهلة للإطاحة بالخلافة العباسية دون أي شك - بتنازله عن الخلافة - التي قتل أخاه من أجلها - إلى الإمام الرضا (عليه السلام) إمام الشيعة وقائدهم.
وهكذا فبعد قبول علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء، فخفقت الألوية على رأسه، وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي، فلما دخل عليه قال: قلت قصيدة وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له: " هاتها "
فأنشد قصيدته المعروفة:
مدارس آيات خلت من تلاوة *
ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى *
وبالركن والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر *
وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار عفاها كل جون مبادر *
ولم تعف للأيام والسنوات
إلى أن قال:
قبور بكوفان
وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي
وقبر ببغداد
لنفس زكية * تضمنها الرحمن بالغرفات
فأما المصمات التي
لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات
إلى الحشر حتى يبعث
الله قائما * يفرج منها الهم والكربات
إلى أن قال:
ألم تر أني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات؟
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا من الأوتار
منقبضات
حتى أتى على آخرها، فلما فرغ من إنشادها قام الرضا (عليه السلام) فدخل إلى حجرته وأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار واعتذر إليه، فردها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت، وإنما جئت للسلام عليك والتبرك بالنظر إلى وجهك الميمون، وإني لفي غنى، فإن رأيت أن تعطيني شيئا من ثيابك للتبرك فهو أحب إلي. فأعطاه الرضا جبة خز ورد عليه الصرة (1).
|
الإمام الرضا (عليه السلام) وصلاة العيد: كان الإمام في مرو يقصده البعيد والقريب من مختلف الطبقات وقد انتشر صيته في بقاع الأرض، وعظم تعلق المسلمين به، مما أثار مخاوف المأمون وتوجسه من أن ينفلت زمام الأمر من يديه على عكس ما كان يتمناه، وما كان يبتغيه من ولاية العهد هذه، وقوي ذلك الظن أن المأمون بعث إليه يوم العيد في أن يصلي بالناس ويخطب فيهم فأجابه الرضا (عليه السلام): " إنك قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر، فاعفني من الصلاة بالناس ".
فقال له المأمون: إنما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك. ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك، فلما ألح عليه المأمون، أرسل إليه الرضا: " إن أعفيتني فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله وأمير المؤمنين (عليه السلام) " فقال له المأمون: اخرج كيف شئت. وأمر القواد والحجاب والناس أن يبكروا إلى باب الرضا (عليه السلام).
قال: فقعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات والسطوح، واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، فاغتسل أبو الحسن ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفه، ومس شيئا من الطيب، وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه: " افعلوا مثل ما فعلت " فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فمشي قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر وكبر مواليه معه، فلما رآه الجند والقواد سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض، ثم كبر وكبر الناس، فخيل إلى الناس أن السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا الإمام الرضا (عليه السلام) وسمعوا تكبيره، فبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل فتن به الناس، وخفنا كلنا على دمائنا، فأنفذ إليه أن يرجع. فأرسل إليه من يطلب منه العودة، فرجع الرضا (عليه السلام) واختلف أمر الناس في ذلك اليوم (1).
وقد أشار الشاعر البحتري إلى تلك القصة بأبيات منها:
ذكروا بطلعتك
النبي فهللوا * لما طلعت من الصفوف وكبروا
حتى انتهيت
إلى المصلى لابسا * نور الهدى يبدو عليك فيظهر
ومشيت
مشية خاشع متواضع * لله لا يزهي ولا يتكبر (2)
إن هذا وأمثاله، وبالأخص خروج بعض العباسيين بالبصرة على المأمون، لتفويضه ولاية العهد لعلي بن موسى الرضا الذي كان في تصوره سيؤدي إلى خروج الأمر من بيت العباسيين، كل ذلك وغيره دفع المأمون إلى أن يريح نفسه وقومه من هذا الخطر فدس إليه السم على النحو المذكور في كتب التاريخ.
من شعر أبي نؤاس فيه (عليه السلام) ومن لطيف ما نقل عن أبي نؤاس أنه كان ينشد الشعر في كل جليل وطفيف ولم يمدح الإمام، ولما عوتب على ذلك من قبل بعض أصحابه حيث قال له: ما رأيت أوقح منك، ما تركت خمرا ولا طردا ولا معنى إلا قلت فيه شيئا، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا! فقال أبو نواس: والله ما تركت ذلك إلا إعظاما له، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله، ثم أنشد بعد ساعة هذه الأبيات:
|
قيل لي أنت أحسن الناس طرا * في فنون من الكلام النبيه
لك من جيد القريض مديح * يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه
قلت
لا أستطيع مدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه
وقال فيه (عليه السلام) أيضا:
مطهرون نقيات جيوبهم * تجري
الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويا حين تنسبه *
فما له في قديم الدهر مفتخر
الله لما برا خلقا فأتقنه
* صفاكم واصطفاكم أيها البشر
فأنتم الملأ الأعلى
وعندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور (1)
شهادته (عليه السلام): واستشهد في طوس من أرض خراسان في صفر
203 ه، وله يومئذ 55 سنة.
ولما استشهد الإمام (عليه السلام) دفن في مدينة طوس في قبر ملاصق لقبر
هارون الرشيد، وقبر الإمام الرضا الآن مزار مهيب
يتقاطر المسلمون على زيارته والتبرك به.
فسلام الله
عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.
|
تعريف الشيعة | ضروريات المذهب | مختصر عقائد الشيعة | نشأة الشيعة | الأئمة الاثنا عشر