موقع عقائد الشيعة الإمامية >> مذهب الشيعة >> الإئمة الإثنا عشر >> الإمام محمد بن علي الجواد
آية الله الشيخ جعفر السبحاني: أضواء على عقائد الشيعة الإمامية
ولادته (عليه السلام): ولد بالمدينة المنورة في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين بعد المائة، فورث الشرف من آبائه وأجداده، واستسقت عروقه من منبع النبوة، وارتوت شجرته من منهل الرسالة.
إمامته (عليه السلام): قام بأمر الولاية بعد شهادة والده الرضا (عليه السلام) عام 203 ه، واستشهد ببغداد عام 220 ه، أدرك خلافة المأمون وأوائل خلافة المعتصم. أما إمامته ووصايته فقد وردت فيها النصوص الوافرة (1).
لقب بالجواد والقانع والمرتضى والنجيب والتقي والزكي وغيرها من الألقاب الدالة على علو شأنه وارتفاع منزلته.
(1) أنظر الكافي 1: 320 - 323، إثبات الهداة 3: 321 - 328. (*)
استقدامه إلى بغداد لما توفي الرضا (عليه السلام) كان الإمام الجواد في المدينة، وقام بأمر الإمامة بوصية من أبيه وله من العمر تسع أو عشر سنين، وكان المأمون قد مارس معه نفس السياسة التي مارسها مع أبيه (عليه السلام) خلافا لأسلافه من العباسيين، حيث إنهم كانوا يتعاملون مع أئمة أهل البيت بالقتل والسجن، وكان ذلك يزيد في قلوب الناس حبا لأهل البيت وبغضا للخلفاء، ولما شعر المأمون بذلك بدل ذلك الأسلوب بأسلوب آخر وهو استقدام أهل البيت من موطنهم إلى دار الخلافة لكي يشرف على حركاتهم وسكناتهم، وقد استمرت هذه السياسة في حقهم إلى الإمام الحادي عشر كما ستعرف.
وما كان من المأمون عندما استقدم الإمام إلى مركز
الخلافة، إلا أن شغف به لما رأى من فضله مع صغر سنه
وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم
يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوجه ابنته أم
الفضل وحملها معه إلى المدينة، وكان حريصا على إكرامه
وتعظيمه وإجلال قدره، ونحن نكتفي في المقام بذكر
أمرين:
1 - لما توفي الإمام الرضا (عليه السلام)
وقدم المأمون بغداد، اتفق أن المأمون خرج يوما يتصيد، فاجتاز بطرف البلدة وصبيان يلعبون ومحمد الجواد واقف
عندهم، فلما أقبل المأمون فر الصبيان ووقف محمد
الجواد، وعمره آنذاك تسع سنين، فلما قرب منه الخليفة
قال له: يا غلام ما منعك أن لا تفر كما فر أصحابك؟!
فقال له محمد الجواد مسرعا: " يا أمير المؤمنين فر
أصحابي فرقا والظن بك حسن أنه لا يفر منك من لا ذنب له، ولم يكن بالطريق ضيق فانتحي عن أمير المؤمنين "
فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته فقال له: ما اسمك يا
غلام؟ قال: " محمد بن علي الرضا (عليه السلام) " فترحم
على أبيه (1).
2 - لما أراد المأمون تزويج ابنته أم
الفضل من الإمام الجواد ثقل ذلك على العباسيين وقالوا
له: ننشدك الله أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه
من تزويج ابن الرضا، فإنا نخاف أن تخرج به عنا أمرا
قد ملكناه الله! وتنزع منا عزا قد ألبسناه الله! فقد
عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا، وما
كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير
بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا حتى كفى الله
المهم من ذلك - إلى أن قالوا -: إن هذا الفتى وإن
راقك منه هديه، فإنه صبي لا معرفة له، فأمهله حتى
يتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما ترى.
قال المأمون:
ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإن أهل هذا البيت
علمهم من الله تعالى وإلهامه، ولم يزل آباؤه أغنياء
في علم الدين والأدب من الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتى يتبين لكم ما وصفت
لكم من حاله. قالوا: رضينا.
فخرجوا واتفق رأيهم على
أن يحيى بن أكثم يسأله مسألة وهو قاضي الزمان فأجابهم
المأمون على ذلك. واجتمع القوم في يوم اتفقوا عليه،
وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست ففعل ذلك، وجلس
يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم،
والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه
السلام).
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا
أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال: استأذنه في
ذلك. فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي - جعلت فداك - في
مسألة؟
(1) الفصول المهمة: 266. (*)
فقال: " سل
إن شئت ".
فقال: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام): " في حل أو حرم؟ عالما
كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان
المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتدئا كان
بالقتل أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟
من صغار الصيد أم كبارها؟ مصرا كان على ما فعل أو
نادما؟ ليلا كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان
بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟ ".
فتحير يحيى وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى
عرف أهل المجلس أمره.
فقال المأمون: الحمد لله على
هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم قال لأبي جعفر
(عليه السلام): اخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك
أم الفضل ابنتي (1).
ولما تم
الزواج قال المأمون لأبي جعفر: إن رأيت - جعلت فداك -
أن تذكر الجواب فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد
لنعلمه ونستفيده.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): " إن
المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير
وكان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه
الجزاء مضاعفا، فإن قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد
فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة
الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة،
وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبيا فعليه شاة،
فإن قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا
هديا بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه
الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان
إحرامه بالعمرة نحره
(1) الإرشاد: 319 - 321، إعلام الورى: 352 وللقصة صلة فراجع. (*)
بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة ". فقال له المأمون: أحسنت يا أبا جعفر... (1).
رجوعه (عليه السلام) إلى المدينة: ثم إن أبا جعفر بعد
أن أقام مدة في بغداد هاجر إلى المدينة وسكن بها مدة
إلى أن توفي المأمون وبويع المعتصم، ولم يزل المعتصم
متفكرا في أبي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله ووثوبه
على الخلافة، فلأجل ذلك مارس نفس السياسة التي مارسها
أخوه المأمون من قبله فاستقدم الإمام الجواد (عليه
السلام) إلى بغداد سنة 220 (2) وبقي فيها (عليه
السلام) حتى توفي في آخر ذي القعدة من تلك السنة، وله
من العمر 25 سنة وأشهر.
ودفن عند جده موسى بن جعفر في مقابر قريش.
وقال ابن شهرآشوب: إنه قبض مسموما (3).
فسلام الله على إمامنا الجواد يوم ولد، ويوم مات أو استشهد بالسم، ويوم يبعث حيا.
(1) الإرشاد:
322.
(2) وفي الإرشاد: ص
326، وفي إعلام الورى: ص 304: وكان سبب ورود الإمام
إلى بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة، فورد بغداد
لليلتين بقيتا من محرم الحرام سنة 225 ه... ثم
يقول: وكان له يوم قبض 25 سنة. ولا يخفى أنه لو كان
تاريخ وروده إلى بغداد هي سنة 225 ه، يكون له يوم
وفاته 30 سنة من العمر لأنه ولد عام 195 ه.
(3)
ابن شهرآشوب، المناقب 4: 379. (*)
تعريف الشيعة | ضروريات المذهب | مختصر عقائد الشيعة | نشأة الشيعة | الأئمة الاثنا عشر